احتشد أهل مرمريتا في ساحة بلدتهم لاستقبال يوحنا العاشر يازجي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس الذي يستكمل جولته الرعائية على قرى وبلدات وادي النصارى في سوريا.
بداية، دخل البطريرك والوفد المرافق له البلدة على وقع قرع الأجراس والموسيقى الكشفية والزغاريد، ثم احتفل بالقداس الإلهي في كنيسة القديس بندلايمون، واشترك معه في الخدمة كل من مطران الأبرشية المتروبوليت باسيليوس والأساقفة: إيليا طعمة، موسى الخوري، غطاس هزيم، أثناسيوس فهد وديمتري شربك والآباء الكهنة والشمامسة. وقد القى البطريرك يوحنا عظة جاء فيها:
“من قلب وادينا النابض، من جارة السائح الشامخ، ومن الرابضة في قلب كل منا، يطيب لي أن أحييكم. أحييكم في الرب يسوع، الممجّد في قديسيه والممجد في كل واحدٍ منا إذا ما أتم مشيئته المقدسة. أحييكم في الرب يسوع الذي به نعتمد وعلى اسمه نمسح بزيت الميرون وبسلطانه ننال غفران الخطايا وبحمرة دمه نصير مساهمي الحياة الأبدية وببركته تترسخ أسس بيوتنا وعلى مبادئه نربّي أولادنا وعلى رجاء لقياه نلج ثرى هذه الأرض.
أحييكم به، هو الذي مجد قديسه بندلايمون وأعطاه شرف الشهادة ومنحه شفيعاً لهذه الرعية المباركة تستظل بكنف حمايته وتحتمي بوفور شفاعته. أحييكم بالرب الذي شاء أن يجمعنا اليوم في مرمريتا، في هذه المطرانية التي تحمل كثيراً من الذكريات في قلبي. في الترتيلة التي سمعناها نرى قديسنا بندلايمون طبيباً للنفوس والأجساد. لاحظوا جيداً ترتيب الجملة “طبيب النفوس والأجساد”. لم تختر الكنيسة المقدسة هذا الترتيب عبثاً. النفس أولاً ومن ثم الجسد. وشفاء النفس أولاً ومن ثم شفاء الجسد. هذا القديس لم يكن طبيباً للجسد فقط، لا بل، وبادئ ذي بدء، طبيباً للنفس. نفس معتلةٌ وجسدٌ صحيح لا يعرفان طريق الخلاص، بينما نفسٌ صحيحةٌ وجسدٌ معتل فيعرفان له سبيلاً. ولهذا السبب فإن بندلايمون هو طبيبٌ للنفوس أولاً ومن ثم للأجساد”.
وتابع عظته، قائلا: “يطيب لي من هذه الكنيسة المقدسة أن أعود بالذاكرة إلى الوراء وأستذكر وإياكم تلك الأيام التي قضيتها بينكم أسقفاً. يطيب لي أن أتذكر جهودكم الكثيرة ومحبتكم. ويحلو لي أن أعود وإياكم إلى ذكرى شخصين ارتبط اسمهما باسم هذه الرعية المحروسة بالله وارتبط تراب كنيستها بترابهما، ولتسمح لي محبتكم أن أكتفي بهما، إذ فيهما يتجلى جزء من تاريخ هذه الرعية ويتلخص تاريخ غيرتها للرب القدير. رحمك الله يا “أبونا عطية”، يا مهندس الحجر ومهندس بنيان البشر في هذه الرعية المباركة، رحمك الله يا من خدمت هذه الرعية، على رغم كل ضعفات البشر، لأكثر من أربعة عقود. رحمك الله يا بندلايمون كوتسوذونديس، يا من تجلى حباً بالقديس بندلايمون وأبى إلا أن يدفن في ثرى هذه الكنيسة، ليقول إن الأعراق كلها تذوب في بوتقة المحبة في المسيح الرب.رحمك الله يا من زينت تقدماته جدران كنائسنا. لقد وضع هذان الرجلان، الإكليريكي والعلماني، خدمتهما قرباناً زكي العرف أمام المذبح الإلهي ودفنا فعلياً بجوار الكنيسة التي أحباها. وكأني بهما قد دفنا الواحد إلى جانب الآخر ليقولا لنا رمزياً إننا، إكليروساً وعلمانيين، مدعوون أن نُدفن في حقل الخدمة الكنسية وأن ندفن فيه شيئاً من “الأنا”، ليسمو منطق “النحن” وليعلو بنيان الكنيسة المقدسة ويرسو على أوج مجده السماوي لا الأرضي”.
ثمّ توجه الى المشاركين في القداس الالهي، وقال: “نشكر الرب الإله القدير الذي سمح بلقائنا اليوم. نشكره لأنه قوى ويقوي إيمان أبناء مرمريتا، مرمريتا التي تعبق برائحة بخور مار سابا وتستيقظ على رنين أجراس مار بطرس وتستظل بشفاعة القديس بندلايمون. نشكره لأنه شدد إيمان أبنائها وغرس فيهم الفضائل المسيحية فأورقت فيهم غيرة الرب وأزهرت فيهم نعمته. نشكره لأنه بذر في قلوبهم حب المعرفة فنمت في أذهانهم مع تقوى الرب. نشكره لأنه أنبت في صدور أبنائها حباً والتصاقاً بأرضها وبأناسها مهما قست الظروف واتسعت المسافات. نشكره لأنه أعطاهم إيماناً وطيداً راسخاً رسوخ الدلب في ساحتها”.
وختم عظته، معزيا اهالي شهداء البلدة بالعبارات التالية: “يطيب لي ومن قلب مرمريتا أن أحيي بشكل خاص كل أبنائنا في القرى المجاورة وأن أعزي من على هذا المنبر قلب كل أم وكل أب وكل شقيق التاع لفقدان الأحبة، وأن أعزي بشكل خاص ذوي الشهداء الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة التي تعصف بسوريا. رب، عزّ قلب كل أم اكتوى بنار فقدان حبيبها وامسح برحيق محبتك دموع أحبتك وبلسم جراح الافتراق بطيب عزائك وكلل وادينا وبلادنا برونق سلامك.
بارك الله أبناءك يا مرمريتا. بارك الله القرى المجاورة وأبناءها الطيبين. بارك الله هذه النفوس المعجونة بخميرة الأصالة والتي تتحد سوياً وتنسى إلى أي قرية انتمت عندما تلتقي سوياً وتجتمع على غيرةٍ رسوليةٍ ومحبةٍ للوطن ولإنسان هذا الوطن. قواكم الله جميعاً لما فيه خير بلادنا وكنيستنا والإنسانية جمعاء. وكل عام وأنتم بخير”.
في المناسبة كان للأسقف إيليا طعمة كلمة ترحيبية بالبطريرك، فاعتبر انّ الاقدار الالهية شاءت ان يزور البطريرك البلدة بعد سنة، وبالتحديد في نفس اليوم الذي جرى ترويعها فيه في العام 2013. حيث سقط في مثل هذا اليوم من العام المنصرم في مرمريتا خمس شهداء، وفي الوادي 13 شهيداً. وافاد الاسقف ايليا في كلمته انّ الترويع اضحى الان مع زيارة البطريرك “روعة حقيقية”. وشبهه بالسامري الصالح الذي يبلسم الجروح. واشار الى ان حزن اهل الوادي على مغادرة الاسقف يوحنا ديارهم تتحول اليوم فرحا كبيرا بعودته اليهم بطريركا. وعاهده “أن يبقى هذا الوادي: نوره الحضارة وفكره النضارة واسمه النصارى!”.
نهاية، قدّم البطريرك يازجي أيقونة القديس باسيليوس للمتروبوليت باسيليوس بطرشيلاً وأموفوريون وللأسقف إيليا الذي قدّم بدوره للسيد البطريرك بطرشيلاً واموفوريون. كذلك قدّمت الرعية للبطريرك الذي خدمها 15 عاما مفتاح البلدة وعكازاً.