الشاعر هنري زغيب
… ودارت الدورات والمداورات والمداولات والمناورات، وقالوا للتلامذة: “تقدَّموا إِلى الدورة الأُولى”.
وتَقدَّمَ التلامذة إِلى الدورة الأُولى للامتحانات منتظرين أَن تدور دورة العقلاء من المصحّحين فيُصدروا نتائج الامتحانات.
وعادت الدورات تدور من جديد: هيئة التنسيق النقابية تدور، لجنة النواب تدور، هموم الأَهل تدور، وأَنظار التلامذة تدور في فضاءٍ يدور ولا يتوقّف عن دوران القرار الذي ما زال يدور.
وما هي حتى صدر التلويح بآخر الدواء وأَسوإِ الحلال: التصحيح الصحيح وإِلا فالجميع ينجحون بإِفادات رسمية التنقيح.
إِفادات؟؟؟ لـماذا إِذاً تابعوا صفوفهم في المدارس وسْطَ جَــوٍّ مشحون، ودرسوا للامتحانات في جَــوٍّ مشحون، وتقدّموا لامتحاناتهم في جَــوٍّ مشحون؟ أَلِــيَــنْــجَــحُــوا جميعُهم كأَنْ لم يدرسوا ولم يُحَضِّروا ولم يتقدَّموا للامتحان؟
وهل بهذه الإِفادة تستقبلهم الجامعات في لبنان والخارج على أَنها شهادةٌ رسميةٌ معترفٌ بها؟
جاء وقتٌ كانت فيه البَكالوريا اللبنانية أَرفعَ مستوى في المنطقة لصرامة الأَسئلة وصرامة التصحيح ومصداقية النتائج، فكان تلامذةٌ يلجأُون إِلى شهادات أُخرى بين توجيهية وموحدة وسواهما لعلها أَسهل لهم من البكالوريا اللبنانية.
وكان البعض يتقدّم من البكالوريا الفرنسية فقط، ولا يعود يسأَل عن شهادته اللبنانية.
إِفاداتٌ للجميع وينجح الجميع؟ هل نحن في برنامج الهواة التلـﭭـزيوني (L’école des fans) ينجح في نهايته الجميع؟
أَفْهَم أَن تُدفَع الدولة للُّجوء إِلى هذا التدبير (لا بسبب تَلَكُّؤ المجلس النيابي دورةً بعد دورة وسنةً بعد سنة) بل في ظروف قاهرة ذات قوّة قاهرة بموانع وعوائق قاهرة (تسونامي، زلازل، حروب،…).
اليوم ما هي الظروف القاهرة؟؟ تأْجيل النواب دراسةَ السلسلة الشهيرة للرتب والرواتب من جلسة إِلى جلسة ومن أُسبوع إِلى أُسبوع لاستكمال الدرس السلحفاتِـيّ والبحث في ربع الساعة الأَخير عن موارد تغطّي نفقات السلسلة، وهيئة التنسيق النقابية تنتقل من إِضراب إِلى إِضراب ومن اعتصامٍ إِلى اعتصام ومن مكانٍ إِلى مكان؟ وماذا بعد؟؟؟ وبانتظار مَن وماذا؟ وإِلى متى؟؟؟
والحل؟؟ إِفاداتٌ للجميع ولينجح الجميع وليترفّع الجميع إِلى الصفوف العليا رغمَ كسالى يتخرّجون بضعفهم إِلى مجتمعٍ يتزايد فيه كسالى مقصِّرون يتقدِّمون إِلى مناصب ووظائف ومسؤُوليات وهُم دون المستوى المطلوب؟
هكذا تُـخَــرِّج الإِفادات الجميع وليس الجميع على مستوى يؤَهِّلهم الترفُّع إِلى الصف الأَعلى؟
وهل علاماتُ المدرسة كافيةٌ ليترفَّعَ التلامذة إِلى الصف الأَعلى؟ ولـماذا إِذاً تبقى الامتحانات الرسمية؟ وماذا لو أَصبحَت هذه الـدُّرْجَةُ عادةً سهلة لدرسٍ أَقل وجهدٍ أَقل وامتحاناتٍ أَقل؟؟
الجميع في مأْزق الانتظار: النوّاب لاجتراح الموارد، هيئة التنسيق لاجتراح الإِضرابات والاعتصامات، الأَهالي لاجتراح الغضَب، والتلامذة الرهائن لاجتراح الصبر على الضياع.
التربية والتعليم رئتان لِـبُنْيَةٍ وطنية واحدة ذات مسالكَ صارمة وقيَم أَخلاقية وعلْمية. فكيف يَنشأُ تلامذتنا على منطق أَنهم ناجحون في الامتحان ولو لم يدرُسوا؟
انطلاقاً من بِدْعَة الإِفادات لجميع التلامذة، نتساءل: لو كان لنا أَن نُعطي المسؤولين السياسيين إِفاداتٍ على نشاطهم الـمُميز، فأَيَّ نوع من الإِفادات نعطيهم؟؟؟؟؟
**********
“صوت لبنان” – برنامج “نقطة على الحرف”