البروفسور الأب يوسف مونس
هكذا وبتدبير إلهي تعطلت منصة إطلاق الصواريخ في الجنوب وانفجر صاروخ سمح لقوى الجيش بالقاء القبض على مطلق الصواريخ، إنها العناية الإلهية.
وهكذا أيضاً السيارة المفخخة على طريق ضهر البيدر لم تصل إلى هدفها، بل استبقتها القوى الأمنية، وفاجأت نزلاء فندق نابوليون وسواه، وكان الأمن الاستباقي بتدبير إلهي أقوى من الموت والشر. إنها العناية الإلهية. وكم ترددت هذه الكلمة مؤخراً في وسائل الإعلام وعلى لسان العديد من المسؤولين.
وطن لا رئيس جمهورية فيه، واقتصاده ثابت بفضل إدارة حاكم بنك المركزي. وسياسته الخارجية على علاقة طيبة مع كافة دول العالم، كأن سفراءه هم ملائكة الله.
لا سلسلة للرتب والرواتب تنصف الأساتذة والموظفين وتجري فيه امتحانات رسمية والأساتذة يراقبون وينتظرون الفرج من عند الله.
لا مياه ولا كهرباء ولا عطش ولا ظلمة. عجيب أمر هذا الوطن! «يسير وعين الله ترعاه»… وترعى أولاده. النازحون إليه صاروا أكثر من أهله الذين يهاجرون منه، وما زال رغيف الخبز موجوداً، ولا جوع! ولا طاعون ولا أوبئة! ولم تأكله الجرذان والحيات والعقارب والفئران، والذئاب والوحوش الكاسرة. عجيب أمر هذا الوطن!
يطل إعلاميون بأرقى المظاهر وأجمل الأوجه والثياب، وأرقى الجرائد والمجلات والتلفزيونات والرديوات ووسائل الاتصال كافة. عجيب أمر هذا الوطن! تأكله الكسارات وتنهش جباله بالديناميت والتراكتورات وتشوّه أرضه وتلوّث هواءه وسماءه، ويبقى فيه السحر، وقلوبنا تهفو له وكتبنا المقدسة وصلاة طقوسنا تردد اسمه.
وما زالت أجراس كنائسنا تقرع و”داعش” على الأبواب. مياهه تذهب، هدراً إلى البحار وهي تجرف تربته، ونحن نحفر أباراً مشققة لأي تجمع المياه، لكن السماء تجود علينا بالمطر والثلج والخير وزهور الحقول وخصب الكروم والحقول والبيادر والمحاصيل والغلال!
غريب أمر هذا الوطن! يأتي فيه الربيع في موعده والصيف بوقته والخريف في أوانه والشتاء في زمنه، على ايقاع الموت والحياة وتجدد الأيام والفصول ودورة الشمس والقمر.
غريب أمر هذا الوطن! يعيش على بركة الله وعناية السماء. “ينفحط” أهله عندما يلتقونك ويلقون عليك ألف تحية حب وسلام وتنزل حناجر ألسنتهم في ظهرك عندما تدور وتذهب. وينهشونك ويعودون يلاقونك بالبسمة والرياء الكاذب.
غريب أمر هذا الوطن الحقيقة عنده كذب ونفاق! والكذب شطارة وذكاء. وجه “الصحارة” أو الصندوقة من أطيب وأجمل أنواع الثمار وقعرها يسرح فيه الدود والعفن.
غريب أمر هذا الوطن! المهم فيه المظاهر والتوشّح بما هو ليس حق وحقيقة! ويقودون سياراتهم كالجواميس دون نظام و”يطحشون” على بعضهم البعض بوحشية و”ذئبية” و”قاينية”، ويتلبسون اللطف والمجاملة الكاذبة. يدعون أنهم أرقى الناس، وروّاد حضارة ويُنزلون أظافرهم في لحمك وأسنانهم في عظامك ويمتصون دمك كالعلق ويشربون العرق والماء لأجل مصالحهم، وللوصول إلى غاياتهم ومآربهم ومطامعهم.
غريب أمر هذا الوطن! غريب هذا الوطن. يعيش أهله في اللهو والعبث، لكنه يعيش الحياة بملئها، والعمر من كل جوانبه في طقوس الحياة والموت و”يتغندر” كأنه في شباب دائم الفتنة والجمال.
غريب أمر أهل هذا الوطن تفوح منهم كالفحول رائحة الفحولة والذكورة ويتكلمون في العفة والعذرية. بالحقيقة هم كما قال المسيح قبور مكلسة، والناس يمشون عليها ولا يعلمون. يدعون أنهم في الله. وقلبهم مملوء خبثاً وشراً كما يقول الكتاب المقدس. والله منهم براء. يعوضون فرائضهم وطقوسهم وقلوبهم بعيدة عن المحبة. بل بالحقد والحسد والكراهية. والله محبة هو، يفيض حديثهم بالعذوبة وسم الأفاعي تحت السنتهم كما يقول الكتاب القمدس. أناس غلط! جباههم نحاس وقلوبهم رصاص ويأخذون لهم الفضيلة لباساً ولا رقة ولا شفقة ولا رحمة في قلوبهم. يعيشون النفاق ويرفرفون بأجنحتهم كالسارفيم والكاربيم!
غريب أمر أهل هذا الوطن! لولا العناية الإلهية لهطلت عليهم كل يوم النيران وابتلعتهم الأرض. ألم يقول مار بولس الرسول: “احذروا الناس الكذبة”، والكتاب المقدس ألم يقل: لقد ندم الله على ما فعل؟ أصلّي كي ينسى الله ندمه ويتركنا نعيش كما نحن إلى أن نصل إلى أعتابه، وعلينا تنزل الرحمة الإلهية ونحن نردد: “يا يسوع الرحوم انني أثق بك، يا يسوع الرحوم ارحمني!” ولا تسمح بأن يطبق علينا ما قاله الكاتب الإلماني دورمن: «موظفو الله»، همهم المراكز والمناصب والكراسي، يعيشون كما قال يوحنا: “في شهوة المجد والجسد والمال، وهو يصرخ بنا :لا أعرفكم اذهبوا إلى النار الأبدية! يا كذبة! لكن عنايته ارسلت لنا، جيشاً عظيماً وقديسين عظماء كشربل ورفقا والحرديني والأخ اسطفان وأبونا يعقوب، والكثير سواهم من الشهداء والقديسين الذين سيشفعون بنا أمام رحمته وعدله! وهو رحمان رحيم كما يقول القرآن الكريم.
الاثنين 11 أغسطس 2014
************
(*) أمين سرّ اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام