البطريرك يوحنا العاشر من دير القديس جاورجيوس في وادي النصارى: التراب الذي شر بدماء الشهداء لم يسأل إذا كان هذا الدم مسلمًا أم مسيحيًا…

فyouhanaي خطوة ملفتة في توقيتها، بدأ البطريرك يوحنا العاشر البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس زيارة رعوية إلى وادي النصارى في سوريا. وقد استقبله الوادي بشيبه وشبابه

وصل البطريرك  برفقة الوفد المرافق الى مفرق العريضة، وهناك كان في استقباله المطارنة والرسميون والأهالي. ومن العريضة توجه البطريرك إلى دير القديس جاورجيوس. وعلى الطريق توقف عند مدخل عناز والحواش وعين العجوز تحت أقواس النصر التي أقيمت بهذه المناسبة، وقرعت الأجراس وارتفعت الزغاريد وتجمع المؤمنون، كما عزفت فرق الموسيقى الكشفية النشيد الوطني السوري استقبالاً للزائر الكبير.

وصل البطريرك دير مار جرجس الحميراء السابعة مساء وترأس فيه صلاة الشكر بحضور المطارنة جاورجيوس (حمص)، باسيليوس (عكار) إغناطيوس (فرنسا)، والأساقفة موسى الخوري، غطاس هزيم، أثناسيوس فهد، إيليا طعمة، ديمتري شربك، نيقولا بعلبكي، أفرام معلولي، وسط حضور المؤمنين الذين تقاطروا من قرى الوادي صافيتا.

وخلال صلاة الشكر ألقى المطران باسيليوس متروبوليت عكار وتوابعها كلمة ترحيبية بغبطة البطريرك تلتها كلمة لرئيس الدير الأرشمندريت دمسكينوس الكعده، ومن ثم ألقى البطريرك كلمة جاء فيها:youhana 2

” يطيب لي أن أكون بينكم في هذا المكان المقدس، في دير مار جرجس الحميراء، وهو قلب وادينا النابض ومشتل القداسة الغابرة والحاضرة التي يفوح عبيرها إلى كل أرجاء سوريا وإلى جوارها أيضاً. يطيب لي أن أكون بينكم وأن أرى وجوهاً عرفتها لأكثر من عشرين عاماً، أراها اليوم أيضاً، وأرى فيها الطيبة والغيرة التي عهدتها يوم أتيت إلى ههنا في تسعينيات القرن الماضي. أراها وأرى الأصالة في عيونها وعيون أبنائها. أراها وفي عينيّ يلتمع شوق الأب الراعي لأحبته وتوقه لأن يصافح في عيونكم حلاوة تلك الأيام الماضية ورهجة وغبطة اللقاء بكم. كونوا متأكدين أن الأب “يوحنا” الذي عرفتموه وعرفكم قبل عشرين عاماً كاهناً وأسقفاً أحبكم وقام بخدمتكم ورعايتكم، رغم كل ضعفاته، سيبقى دوماً مصلياً لأجلكم، وهو نفسه الآن يطلب من، كل شيخ ورجلٍ وامرأة وشابٍّ وطفلٍ، ويطلب منكم جميعاً أن تصلوا من أجله.

أحييكم في المسيح يسوع، الممجد في قديسيه والممجد في كل واحدٍ منا إذا ما أتم مشيئته المقدسة، أحييكم بالرب المحيي الذي باسمه نعتمد وعلى اسمه نمشح حياتنا كما أجسادنا بميرون تعليمه الخلاصي، وبسلطانه ننال مغفرة الخطايا وبحمرة دمه نصير مساهمي الحياة الأبدية. أحييكم به، هو الذي ببركته تترسخ أسس بيوتنا وعلى مبادئ إنجيله نربي أولادنا وعلى رجاء لقياه في حياة أخرى نلج ثرى هذه الأرض، التي نعشقها ونقبّل فيها تراب أجدادنا.

وادينا الطيب هو موقد غيرةٍ ربانيةٍ. وادينا الطيب هو “فوّار” محبةٍ ولهفةٍ. وادينا “حصن” محبةٍ لكل مهجرٍ ونسمة طمأنينة لإخوتنا الذين وجدوا فيه ملاذاً آمناً عندما جارت الأيام. وادينا “راويل” نفوسٍ التحفت بإكرام القداسة وحبها فأنبضت هذا الحب في حياتها. وادينا جيرةُ “سائحٍ” يرفع بخور مؤمنيه إلى قبب السماء. وادينا عَيْنُ طيبةٍ ومودّةٍ يُدفق مع مياه “عين مريم” نفوساً انعجنت بأديم هذه الأرض وامتزجت بالغيرة الإيمانية، نفوساً لوّحتها شمس “سهل البقيعة” وجواره فنضجت في “تنّورِ” عشقها لله ومحبتها للإنسان والوطن. أذكر دوماً أن المثلث الرحمة البطريرك إغناطيوس الرابع اعتاد أن يأتي بكبار ضيوفه إلى هذه المنطقة بالتحديد كما إلى غيرها ليظهر للضيف كيف تتقد النفوس غيرةً وإيماناً، ولا زلت أذكر أن كثيراً من ضيوفه لطالما تحدثوا عن مغامراتٍ ومفاجآت لهم، عندما رأوا سيارتهم تُحمل بمن فيها، حماساً ومحبةً وترحيباً، بتلك السواعد نفسها التي “ربّعت” أجراس الكنائس بقوةٍ وعنفوان تعبيراً عن محبةٍ وإيمانٍ رضعته من صدور الأمهات وجلَتْه حباً بالإنسان والوطن.

يسرني أن أكون هنا بينكم في القسم السوري من أبرشية عكار، هذه الأبرشية التي يرعاها سيادة الأخ باسيليوس منصور. لقد اختبرنا سوياً في هذه الأبرشية أيها الأخ الجليل ذكرياتٍ تكتب على صفحات القلوب. إننا نرى في ثباتك، أيها الأخ الحبيب، رسوخ وانغراس “السائح” في وادينا ونرى في بياض قلبك نصاعة الثلجِ المكلل جبال عكار، ومعك نصلي ومع الإخوة الأساقفة أثناسيوس وديمتريوس وإيليا، كي يَرسخَ كلُّ أخ لنا في أبرشية عكار بقسميها اللبناني والسوري في أرضه، وأن نتعلم، ونحن نفعل ذلك، من بياض ثلج عكار كيف نتلمس ومن وسط الضيق نصاعة الأمل وقوة الرجاء بالله. كما نصلي أيضاً إلى القديس جاورحيوس أن يكون حارساً لهذا الدير المقدس وأتوجه بالتحية لقدس الأرشمندريت دمسكينوس الكعده ضارعاً إلى الرب أن يكون دوماً إلى جانبه وإلى جانب الآباء الرهبان. كما أتوجه بالتحية أيضاً إلى الأم بيلاجيا وراهبات دير مار تقلا في معلولا المتواجدات حالياً في ضيافة هذا الدير المقدس.youhana 1

قد يكون لهذا الوادي طبعٌ خاص لابل صبغة خاصة. إلا أن ذلك لا يعني أبداً أننا جزيرةٌ في قلب الوطن الأم. نحن هنا لا نعرف الفئوية، لكننا نألف لغة التقارب والعيش الواحد تحت سقف الوطن الواحد والعلم الواحد. نحمد الله أن الأمان عاد، ولو نسبياً، إلى هذه البقعة ونصلي من هنا بقلب واحد إلى أن يعود الأمان والسلام إلى كل التراب السوري الذي يوحدنا فيه مع إخوتنا، سائرِ أطياف هذا الوطن، تاريخُ عيش ونضالٌ من أجل قضاياه، وشهادةٌ مشتركةٌ في سبيل قضايا هذا الوطن. “فالتراب الذي شرب دماء الشهداء-كما قال أحد أسلافنا البطاركة- لم يسأل إذا كان هذا الدم مسلماً أم مسيحياً. الدم واحدٌ هو دم الحقيقة وعندما نتمكن ونحن نفعل ذلك أن نضع دماءنا رخيصةً على تربة الوطن لا بد أن تنبت دماؤنا شجرةً يانعة تتحدى عواصف البطل ليبقى صوت الحق في الدنيا”، ودماء جول جمال، ابن المشتاية البار، كما غيرها التي تحدت عواصف البُطل يومها هي خير دليل أن هذا الوادي هو قلبٌ يخفق حباً بسوريا”.

اترك رد