وجه بطريرك بابل للكلدان لويس روفائيل ساكو رسالة إلى البابا فرنسيس وبطاركة الشرق ورؤساء المجالس الأسقفية، حول الأحداث المأسوية التي تجري في العراق، جاء فيها:
“المسيحيون في الموصل غادروا بملابسهم مرعوبين، واقتلعوا من بيوتهم قسراً، وانتهكت حرمة كنائسهم. وفي 2 أغسطس 2014، حدث نزوح جماعي من قرى تكليف وباطنايا وتللسقف بسبب استيلاء داعش على سنجار، وذبح سبعين شخصاً مما أرهبهم! وفي الأمس بدأت داعش تقصف بلدة تلكيف بقذائف الهاون وقتلت شاباً مسيحياً.
المسيحيون عزل خائفون أمام متغيرات متسارعة، إنهم يدركون أن كل الاحتمالات واردة.
الحكومة المركزية، كما أصبح معروفاً، عاجزة تماماً عن فرض النظام والأمان في عموم البلاد، وبات النازحون إلى اقليم كوردستان يلمسون كم إن حدوده مفتوحة. إزاء كل هذا، من الواضح غياب التعاون بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، والحكومة الجديدة لم تتشكل بعد وتحتاج إلى دعم دولي وجيش مهني مدرب ومجهز جيدا!ً
أما أحزابنا المسيحية فقد أخفقت في عمل شيء ملموس، لأسباب أصبحت معروفة لدى الجميع من ضمنها الأحزاب نفسها.
نحن متألمون من غياب موقف واضح، قوي وجريء مندد من الزعماء الدينيين المسلمين، بالرغم من أن هذه الفصائل تشكل خطراً على المسلمين أنفسهم.
مع أنها تجد نفسها وحيدة في الساحة، إلا أن على الكنيسة وقادتها التحرك، أكثر من أي يوم مضى، قبل فوات الأوان، للضغط بقوة على المجتمع الدولي وأصحاب القرار، لإيجاد حلول جذرية لهذه الجرائم الضخمة والمخططات المدمرة، خصوصاً على المواطنين العزل، هذا ما نجده في العراق وسوريا وفلسطين- غزة. ولا بد من الإشارة، إلى أن كل هذا الاقتتال هو من أجل ما هو موجود تحت الارض، النفط والغاز، وإلا ماذا يبرر هذه الحرب الراديكالية بامتياز وفق منهجية معدة لا تكترث بمصائر الشعوب؟
الخطابات لا تنفع شيئاً ولا بيانات الشجب والتنديد، ولا مسيرات الاحتجاج. ومع تقديرنا لسخاء الذين يعطون، فإن حفنة التبرعات المتواضعة لا تحل المشكلة! إننا ننادي بجهد مؤسساتي يقوم على مستوى دولي، إذا كان ثمة وعي بهذا المبدأ الإنساني: نحن نريد أفعالا حقيقية وتضامناً. نحن أمام أزمة وجود نكون أو لا نكون.
هذه مناشدة وجدانية تبحث عن الحل الذي هو في يد المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول الكبرى. نستصرخ ضميرها لتراجع حساباتها وتعيد النظر في تقييم الوضع، فهي أمام مسؤولية إنسانية وأخلاقية، ومن غير المعقول أن تكيل الأمور بمكيالين. عليها أن تخرج من مصالحها الضيقة وتتحد من أجل إيجاد حل سياسي وسلمي وتنهي هذه الصراعات. عليها أن تضغط بقوة على ممولي ومدربي هذه الفصائل لقطع مصادر العنف والتشدد، ومطالبة المرجعيات الإسلامية، سنة وشيعة، بإصدار فتاوى رسمية واضحة تحرم الاعتداء على المسيحيين الأبرياء وممتلكاتهم.
بالنسبة إلى المسيحيين العراقيين، نناشد المجتمع الدولي، انطلاقاً من رعايتنا الروحية لهم: إنهم يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، وأيضاً إلى حماية حقيقية دائمة وفاعلة تطمئنهم، لئلا ينتهوا من جذورهم المتأصلة في العراق ومن المشرق العربي الذي يحترق ويتمزق، ويبدو أن الأمور تسير نحو الاسوأ.
كذلك، نهيب بأخواتنا وإخوتنا في كل مكان ليتقاسموا معنا ألمنا في هذه المحنة الكبرى، ويعيشوا معنا الشعور بأننا عائلة واحدة، كما فعل وفد مجلس أساقفة فرنسا برئاسة نيافة الكاردينال فيليب بربران، رئيس أساقفة ليون أثناء زيارته لنا.
لا نزال نؤمن بالحوار والتواصل والعيش المشترك. ليمنحنا الرب النعمة والقدرة لتجاوز المحنة وليزل من كل القلوب الكراهية والعنف!”