البروفسور الأب يوسف مونس (*)
لا فرق بين البربرية الإسرائيلية الواقعة على أهل غزة والبربرية «الداعشية» الواقعة على أهل الموصل وسواها من المدن العراقية والسورية. يوم قال ماركس إنّ الدين هو أفيون الشعوب وإنّ «الألسنية» الفكرية هي برجَي العقل والقلب قامت الدنيا ضدّ هذه المقولة. إلى اليوم «داعش» «يؤفين» الدين «ويؤلسن» العقل ولا شفاء للإنسان مهما عالجه فرويد من الكبت الجنسي والعقد «الليبيدية”.
هذه الوحشية الظلامية الضاربة جذور النورانية في العقل والقلب يذهب ضحيتها أهل الموصل المسيحيين وأهل غزة مسلمين ومسيحيين. رمز المسيحيين الأساسي كان الصليب الذي ظهر على الملك قسطنطين والسمكة التي تختصر بحروفها كلمة يسوع المسيح المخلص والفادي. أمّا حرف النون الذي ابتدعه «الداعشيون» ليشيروا به إلى النصارى فهو أيضاً يشكّل فخراً لهم لأنّ يسوع يسمّى يسوع الناصري ولأنّه من المدينة المقدّسة في فلسطين. في الناصرة تربّى وعاش مع أهله كما يقول الإنجيل المقدّس خصوصاً في إنجيل لوقا.
كيف تهوّر العقل الإسلامي اليوم ولم ترتفع أصوات الكتَّاب والمفكرين والفنانين العرب الشرفاء ورفضوا أن يدفع المال لهؤلاء البرابرة الجدد الذين لا فرق بينهم وبين النازية والصهيونية في التطهير العرقي والديني.
تحيّة للإعلام اللبناني والعربي لوقفته الجريئة مع غزّة والموصل. تحيّة خاصة لـ”تلي لوميار» و”نورسات» في نشيدهما: «سنرفع لك يا موصل..» تحية لمطرانية بيروت الكلدانية الفاتحة قلبها وأبوابها لاستقبال أهل الموصل.
الإهانة الكبرى التي يوجّهها هؤلاء الناس فهي للإسلام الذي هو كما قال شيخ الأزهر عكس ما يقولون، وهؤلاء الناس لا علاقة لهم لا بالدين ولا بالإنسانية ولا بالإسلام، وكذلك قال مفتي الجمهورية اللبنانية والشيخ عبد الأمير قبلان في أيام عيد الفطر المبارك التي تشارك فيها المسلمون والمسيحيون وكذلك طائفة الدروز الموحدين، أمّا الخليفة الجديد الذي حكم بالإعدام على قرآن عثمان بن عفان وقرّر كتابة القرآن من جديد، فإنّه بالحقيقة يوجّه صفعة إلى القرآن الكريم الذي يجلّه المسلمون والمسيحيون على السواء.
ارتفعت أصوات بطاركة الشرق وعلى رأسهم غبطة السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، خصوصاً في خطابه الأخير في جامعة اللويزة مدافعاً عن الموصل وغزّة والأحرار والإسلام، شاجباً «داعش» وأخواتها. كذلك ارتفع صوت جميع بطاركة الشرق وصوت شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية اللبنانية والشيخ عبد الأمير قبلان والسيد حسن نصرالله والرئيس نبيه برّي ومجلس النواب اللبناني وبالأخص صوت الرئيس سعد الحريري وصوت الرئيس فؤاد السنيورة. أمّا قمّة القمم وحجر العقد الكبير الخطاب الأخير للملك عبدالله ملك المملكة العربية السعودية فقد كان صوته كصوت الأولياء الذي ارتفع في عيد الفطر المبارك.
إنّه موقف ملوكي يحمل النبل والشهامة والكرامة العربية. يكسر الصمت العربي المخجل والمعيب، موقف العار الذي ألحقته «داعش» بالإسلام خاصة بعد تهجير أهل الموصل، فلا فرق بين البربرية الإسرائيلية في غزة والقدس وفلسطين، وموقف الإرهاب والطغيان الداعشي.
لقد أهان «داعش» الإسلام الرحمن الرحيم في كتابه: “أرسلناك رحمة للعالمين والله هو الرحمن الرحيم”. فقد جلب هؤلاء العار والإهانة للإسلام هم وخليفتهم، وللإنسانية بهذا التطهير العرقي والديني، ولا فرق بينهم وبين النازيين والصهاينة والوحشية. كيف قطعوا رأس راهب ولعبوا به.
تحية إكبار لذلك وتحيّة احترام للمؤمنين الحقيقيين الحاملين رسالة الإسلام وحوار الحضارات. خاصة في المنتدى الحضاري للتلاقي الذي أقرّه الرئيس ميشال سليمان في بيروت وأقرّه الملك عبدالله في مدينة الرياض، ومنذ ذلك الوقت دقّ ناقوس الخطر. هذا الكلام الذي قاله الملك عبدالله هو فجر حياة جديدة لإسلام أُهين وتشوّهت صورته ولمسيحية مشرقية آمنت بالحب والتعايش.
وتحية لألمانيا التي سحبت الجنسية الالمانية من «الداعشيين» الجدد، ولأساقفة فرنسا الذين قدموا إلى العراق حاملين شهادة التعاضد والأخوّة، ولو رفض البعض موقف فرنسا الذي فتح باب الضيافة للمسيحيين العراقيين، فأقله أصبح لهم مكان يسندون إليه رأسهم، ولو كان الموقف أقوى لحمتهم فرنسا في أرضهم ووطنهم العراق أرض حمورابي وابراهيم أبو الأنبياء وأرض الضيافة والحضارة.
تحيّة للجيش اللبناني في عيده الـ69، هذا الجيش مقدّم القرابين بشرف وتضحية وفداء، وبدمّه يحمي وطن الاعتدال والعيش المشترك، وطن الرسالة والحضارة، في وطن عربي هو ضحية الظلامية والطغيان والإرهاب الديني والفكري والجمالي. الشعوب العربية السورية والعراقية واليمنية والصومالية والسودانية ستكون هي ضحيّة الوحش الديني الذي خلفته.
جرأة الملك هي المثال لعالم عربي متخاذل يقبل بإذلال وقتل وذبح وتشريد المسيحيين والفلسطينيين في غزة والقدس، وكما قال الملك إنّ المتخاذلين أمام الإرهاب سيكونون أول ضحاياه.
*******
(*) أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام