المطران كيغام خاتشريان
تتوالى الأحداث الكارثية في المنطقة بسرعة رهيبة وأهل البلاد في حيرة من تشرذم اللبنانيين وانقسامهم. أعداء لبنان يحيكون المؤامرات لقلع نظامه من جذوره وجعله ولاية تابعة لخلافة مزعومة غايتها إرجاع الأمة العربية إلى عصور الانحطاط، ونحن قابعون في مستنقع مصالحنا الفئوية والحزبية والشخصية.
إن ما يحدث في العالم اليوم على صعيد التزمت الديني دليل خطير على البشرية برمتها، وهو يتنامى بشكل متفاوت بين منطقة وأخرى، ويترك آثارًا لا تمحى في النفوس وبصمات لا تلغى في العقول، فما نشاهده اليوم من غسل دماغ الأطفال وتدريبهم على السلاح والقيام بعمليات انتحارية بحجة الدفاع عن معتقداتهم وأعراضهم، لهو أكثر خطرًا من القنابل المتفجرة، وأشدّ وقعًا على المجتمعات العربية المتطوّرة والتي بلغت المراتب العليا في التعامل الانساني مع المجتمعات الأخرى.
لقد بلغت أسماعنا الدعوات إلى تدمير الكنائس وحرقها، وإلى إسكات صوت الأجراس التي تدعو مع أصوات المآذن إلى العبادة والصلاة لإله واحد نمجده معًا. ومع علمنا الأكيد بأن المسؤولين عن الأمن يقومون بأقصى الجهود لدفع الأخطار وبسط الأمن في جميع الربوع، وهم يدفعون ثمنًا باهظًا جدًا لأجل استتبابه، لكنّ هذا لا يكفي، فطالما أعلن حكام العالم بأجمعه أنّ الاستقرار السياسي هو الذي يؤمن الاستقرار الأمني في البلاد، والمشاهد الدائرة حول لبنان وفي المنطقة العربية والافريقية خصوصًا واضحة كعين الشمس، وهي خير دليل لإعادة النظر في الارتكابات التي نقترفها يوميًا تجاه وطننا.
إن زعماء لبنان ومسؤوليه يرتكبون اليوم أخطاء يصعب إصلاحها لاحقًا، فالفرصة سوف تمرّ مرّ السحاب، ولن يبقى سوى النواح على الأطلال. والمطلوب الآن هو نبذ كل مصلحة إلا مصلحة الشعب اللبناني بمختلف طوائفه، والصفة الوحيدة التي ينبغي أن نجاهر بها لنحمي وطننا من الكوارث المحيقة به، هي صفة “لبناني” لا مسيحي ولا مسلم، ولنترك خلافاتنا الداخلية إلى ظروف أخرى تحمل معها هدوءًا وأمانًا، فنجلس حينها تحت خيمة الشرعية نطالب ونتناقش ونتفق ونختلف كما يحصل في كل أسرة.
لقد دقّ النفير وغدا لبنان وسط جحيم تتأجج نيرانه لتلتهم عيشنا المشترك الذي اتخذناه أمام العالم كلّه شعار محبة ونبل وشراكة، فلا نتلهّى بالقشور كي لا تنفتح أمامنا أبواب القبور. لنكن حزمة واحدة تعصى على كل من يبغي قصف أي عود منها، ولا ندع العالم يتحسّر على وطن كان في أحد الأيام مشعلاً للحرية ورمزًا عالميًا للتعايش الديني والإنساني.