بقلم: البروفسور الأب يوسف مونس (*)
(الخميس 29 أيار 2014)
البابا فرنسيس
لقد أعطى البابا فرنسيس اليسوعي التربية، والأسيزي التصرّف، مثالاً في رمزية تصرفاته ولباسه وكلامه وأعماله وأفكاره خلال زيارته للأردن ولفلسطين وإسرائيل والعمل من أجل العدالة والسلام وشهادة المحبة والأخوة واحترام الآخر واللطف والوداعة والبساطة ومشاركة الناس الموجعين والإصغاء إليهم بأناة وصبر وحنان ورقّة.
كان في ثيابه البسيطة وكلماته وتصرفاته الرائعة حملاً وديعاً يجسّد فعلاً رسالى يسوع المسيح، كما قال مار بولس: ليكن فيكم من الأفكار والأقوال والأعمال ما في يسوع المسيح، فأنتم رائحة المسيح الطيّبة. في هذا الطوفان من الكراهية والحقد والتطهر الديني أتى حاملاً غصن زيتون السلام والحق والعدل والخير والمحبة والمسامحة والغفران. وكل القيم الإنجيليّة والإنسانيّة متجاوزاً بروتوكول مركزه البابوي ذاهباً هو لملاقات الآخرين كما فعل عندما قام عن كرسيه غير ملتصق به، وذهب يقبل الفتى المعاق في مخيم اللاجئين الذين اقتسم معهم الغداء.
وفي السيارة التي ساقها الملك بنفسه في الطريق إلى المغطس كانت وراءه الملكة رانيا وأعطى المثال على احترام كرامة المرأة. أما اللقاء الرائع مع بطريرك القسطمطينية برتلماوس فكانت فيه قبلة السلام والأخوة بطريقة مؤثّرة مذكراً بلقاء البابا بولس السادس مع البطريرك أثيناغوراس. وقد أكب مع البطريرك يصلّي على القبر المقدّس. كما صلّى أمام الشعلة التي تذكر بالمحرقة اليهودية. ووقف أمام حائط المبكى واضعاً ورقة كتب عليها جئت لأجل السلام بعد أن كان وقف أمام الجدار الفاصل بين اليهود والمسلمين قارئاً ما كُتب عليه بتأثر كبير. واجتمع مع الحاخامين اليهودين كما اجتمع إلى مفتي القدس وسواه من العلماء بعد أن كان يرافقه صديقه حاخام بونس ايروس وصديقه الآخر مفتي المدينة نفسها.
وأطلق نداءه العظيم داعياً الرئيس الفلسطيني والرئيس الإسرائلي للاتيان إلى الفاتيكان ليرسيا سوية أسس السلام والمصالحة. وقد استجاب الاثنان لهذا النداء. وطالب بدولة فلسطينية مستقلة وبوجود دولة اسرائيلية آمنة. وإن القدس مدينة مفتوحة ومقدسة كما طالبت بها الأمم المتحدة لجميع الناس المؤمنين بالله والحفاظ على التراث الإبراهيمي لجميع من يؤمنون ان ابراهيم أب واحد لهم جميعاً. وكم كان مفرحاً تلاقي الاعلام الأردنية والبابوية والفلسطينية واللبنانية في سماء الأردن الصافية ترحب به ملوّحة معبرة عن حبها لشخصه الحبيب.
الروح القدس الذي يقود الكنيسة قاد خطاه وحكّم تصرفاته وأوحى بكلماته وأقواله. هذه الزيارة هي حقاً من وحي وعمل الروح القدس، قوّة الله. الساهرة على كنيسة يسوع المسيح التي أوكلت إليه بعد الصعود ليكون الجميع واحداً كما يسوع والآب واحد مع الروح القدس إله واحد في ثلاثة أقانيم: آب وابن وروح قدس. هكذا يرسل الرب كل مرة لكنيسته راعياً مميزاً، بشخصيته ليسهر على قطيعه وعلى شعبه منارة توضع على جبل ليشهد للحب والحق والعدل والسلام، وقوات الجحيم لن تقوى عليها.
أمّا البطريرك بشارة الراعي
فكان مثال الأب والرعي والقائد والصوت الصارخ ان الأرض ارضنا ولنا هناك رعايا وأبرشيات وأديار رهبان وراهبات وان إقامتنا في الأراضي المقدسة كانت منذ بداية المسيحية، فهنا جذورنا ومنبع إيماننا ولن نتخلّى عن أرضنا وكنائسنا وكنيسة القيامة غالية علينا مثل المسجد الأقصى وهذه الزيارة يقودها الروح وليس لها أي طابع سياسي أو زمني فهي ممهورة بمسؤولية الراعي عن رعيته وبزيارته الواجبة لأبنائه ولا يقف بوجهه أي حاجز أو فاصل أو أي مفهوم آخر. فلا تجذبها السياسة وتلوّثها، القضايا الزمنية العابرة، بل هي جوهر رسالة المحبة والسلام وعمل الروح القدس في قلب كنيسته والروح القدس أعطى غبطة البطريرك الشجاعة والقوّة والجرأة والإقدام على هذا العمل الفريد المميز الذي سيبقى في قلب التاريخ والناس وقد قلب غبطته كل المفاهيم المغلوطة عن رسالته الأبويّة والرعائية وعليه الواجب أن يزور كل ابناء رعيته كل خمس سنوات في جميع أصقاع الدنيا دون حواجر ومحازير. وهذه ذروة الشجاعة والمسؤولية الأبوية التي في قلب القائل انه في الشراكة والمحبة وكم كانت مؤثرة زيارته لكفربرعم وما زالت مهدمة وأهلها متمسكين بأرضهم وملكهم. مع الكلمات الرائعة التي قالها وتكلّم بها بوحي من الروح القدس.
البابا فرنسيس لا حواجز ولا صنمية والبطريرك الراعي جرأة وشهادة محبة وشراكة.
********
(*) ىأمين سرّ اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام