بقلم: الكاتبة ميشلين حبيب
النفايات في لبنان قضية محزنة ومخزية. هي واحدة من عدة قضايا بيئية محزنة تزيد من وطأة التلوث وتؤثر على المجتمع. تنتشر مستوعبات النفايات عشوائياً في كل مكان وتُجمع النفايات عشوائياً ويتم التخلص منها أيضاً عشوائياً.
ومن الأمور العشوائية الأخرى التي تتعلق بالنفايات هي الأفراد الذين وجدوا في هذه العشوائية فرصة ربح لهم فوظفوا أشخاصاً لجمع النفايات من المنازل ومن الشارع. كما أن هناك أفراداً آخرين مهمّشين يحاولون جمع النفايات لقاء مبلغ زهيد يعتاشون منه فيقومون بفرز النفايات (الكرتون والبلاستيك والزجاج والمعدن) ويبيعونها إلى معامل إعادة التصنيع التي يبدو أنها والحمدلله ما زالت تعمل في البلد. يستعمل هؤلاء الأشخاص عربات غير صالحة لجمع ونقل النفايات ترهقهم وتزيد من وطأة عملهم. ويبقى الحال على حاله والنفايات تسرح وتمرح في بيئتنا والتلوث يضرب عرضاً وطولاً ولا أحد يفعل شيئاً حيال الأمر.
أمام هذا الواقع قرر قسم الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت القيام بشيء وذلك توافقاً مع سياسة الجامعة التي تهدف إلى جعل العلم في خدمة المجتمع واحتياجاته وخلق تواصل بين الطالب ومجتمعه. فانعكس المشروع الذي قام به طلاب السنة الثالثة والرابعة في كلية الهندسة المعمارية كجزء من منهج دراستهم تحت إشراف أستاذتيهم المهندستين مهى نصرالله ورنا حداد انعكاساً إنسانياً وأكاديمياً واجتماعياً مثبتاً فعاليته.
سبب جوهري
اقتضت مهمة الطلاب درس الشبكة غير الرسمية للتخلص من النفايات في منطقة النبعة وبرج حمود في بيروت مرتكزين على أسئلة التحدي التالية لتقود خطاهم: أين يتوقف التصميم ويبدأ الواقع؟ كيف يمكن للتصميم أن يبقى فعّالاً بالرغم من كل الشروط والقيود؟ كيف يمكن خلق مبدأ أو سبب جوهري في داخل الفوضى؟ وما هو دور المهندس في تغيير الأنماط الاجتماعية والتواصل والاستمرارية وحل قضية التلوث والمحافظة على البيئة؟
عمل الطلاب ضمن ثلاث مجموعات والتقوا بثلاثة أشخاص في منطقة برج حمّود يستعملون عربات لنقل النفايات. أجروا مقابلات معهم تناولت عملهم والعربة التي يجرونها وكيفية استخدامها والصعوبات التي يواجهونها في استخدامها وإلى ما يحتاجونه لتحسينها. لاحظ الطلاب أن العربات المستعملة تعيق عملية جمع النفايات كما أنها تزيد من صعوبة الأمر خصوصاً أن واحداً منهم هو رجل عجوز. بعد ذلك طُلب منهم تصميم عربات أكثر فعالية تتضمن قسماً لفرز النفايات. فالتقى الطلاب الأشخاص الثلاثة مجدداً وشرحوا لهم أنهم سيقومون بصنع عربة لكل واحد منهم تكون أسهل وأقوى وأفضل. فأصبح الثلاثة زبائنهم.
أمضى الطلاب أكثر من ثلاثة أشهر في صنع العربات الثلاث بين ذهاب وإياب إلى مصنع الحديد والعمل على التصاميم ودرس نماذج العربات وتحسينها إلى أن أصبحت جاهزة. قامت المجموعات بعرض عرباتهم وشرح عملية الصنع ومتطلباتها وكيفية القيام بها والسبب في تصميمها وأيضا عن لقائهم بالأشخاص الثلاثة، وذلك أمام لجنة تضمّنت بالإضافة إلى أستاذتيهم إعلاميين ومدراء تنفيذيين في شركات تعنى بالطاقة والبيئة والحد من التلوث، ومهندسين محترفين وأصحاب شركات وزملاء لهم تخرجوا وانخرطوا في العمل الميداني. وشددت المجموعات الثلاثة على عنصر مشترك وهو قيامهم بصنع العربة بحسب متطلبات الأشخاص الثلاثة الذين سيستعملونها.
تم تسليم العربات الأسبوع الماضي إلى الزبائن الثلاثة الذين فرحوا بها جداً وبدأوا باستعمالها كما تبين الصور التي التقطها الطلاب. وسيتابع الطلاب زبائنهم الثلاثة واستعمالهم للعربة على مدى ثلاثة أشهر يراقبون خلالها عمل العربة وفعاليتها.
المشكلة والحل
عن المشروع قالت ماري لين انطاكي طالبة في السنة الرابعة: “لأول مرة يكون لدينا في منهجنا إمكانية القيام بشيء سيترك أثراً وليس العمل فقط على أمور نظرية تتعلق بالهندسة؛ لذلك درسنا المشكلة وحاولنا إيجاد الحل. فكان الجزء الأول العمل على كيفية تحويل النفايات إلى طاقة وأتى الجزء الثاني ليكمّل الأول بطريقة واقعية وهو صنع العربات التي ستساعد في جعل الأمور أكثر فعالية وستشجع الأشخاص الذين يستعملونها وتدعمهم. وإن نجحنا فربما في المستقبل سيستعمل أولئك الذين يجمعون النفايات هذه العربات لأخذ النفايات إلى المكب”. أما بالنسبة للقيمة المضافة على العربة التي صنعوها قالت “جعلناها أقوى وأسهل في الجر، وجهزناها بقسم يمكّن الرجل من فرز النفايات على الفور عند جمعها. إذ أن النفايات تختلط ببعضها وتصبح عملية فرزها شاقة جداً عليه وهو رجل عجوز يعتاش مما يحصل عليه من بيع النفايات المفرزة في النبعة، وهكذا بجعلنا عربته أكثر فعالية نكون قد ساهمنا في حصوله على مدخول أكبر”.
وتقولان مهى نصرالله ورنا حداد أن الهدف من صنع العربات هو محاولة جمع قضية إعادة التصنيع وقضية النفايات في مجتمعنا أضف على ذلك قضية اللاجئين الذين سيستغلون أية فرصة للعمل مهما كانت طبيعتها. لذلك يأتي المشروع كمحاولة للرفع من شأن عمل الزبال والمساهمة بتخفيف الحمل عنه وجعل عمله أقل تعباً حتى ولو قليلاً. وعند سؤالهما عن مصدر تمويل صنع العربات قالتا أن الطلاب استخدموا المال المخصص لكل استوديو في قسم الهندسة وأنهم لم يتخطوا المبلغ المحدد كما أنهم قاموا بدراسة كلفة امكانية صنع عربات أخرى.
تكمن أهمية الحدث في أن الطلاب سخّروا العلم لخدمة الانسان. لمست عندهم جميعاً فرحاً وإيماناً بمدى فعالية العربات والأهم بالمساعدة التي ستقدمها للأشخاص الذين سيستعملونها. كان واضحاً خلال شرحهم عن العربة أن همهم هو الأشخاص الذين سيستعملونها وكان حماسهم يأتي من فكرة مساعدتهم لأشخاص آخرين من خلال اختصاصهم. وهذا بالطبع سيترك أثراً في مستقبلهم عندما ينخرطون في الحياة العملية وسيتذكرون أن التعليم يهدف إلى خدمة المجتمع والإنسان قبل أي شيء آخر.
كلام الصور
1- 2- 3- 4- 5 جانب من عمل الطلاب