بقلم: الأديب مازن ح. عبود
نام “برهوم” في تلك الليلة. فحلم أنه دخل إلى قصر كبير. “قيل له إنّ كلّ من كان يدخل إلى ذلك القصر يصبح من عظماء هذا الدهر. وكان قوم القصر ذكوراً، من غير أن يكونوا رجالا وأنثوات من غير النساء. كانوا جميعا يصفقون للملك الجالس على عرش من جماجم. كانوا يوافون فيقدمون له الهدايا. وهداياهم كانت ضمائر وقلوباً واشلاء ودفاتر. وهو كان يهبهم أطعمة واكسية ونقوداً. قيل له إنّهم كانوا أذكياء وحكّام الدهر. كانوا يلتهمون ولا يشبعون. يلبسون ثياباً ويبحثون عن المزيد لكسي عريهم.
كانوا ينتصبون أمام النار التي يروحون يضرمونها خوفاً من الظلمة. قيل إنّ لهم أسماء إلا ألأنها ضاعت على مدخل ذلك القصر. فصاروا جميعاً متشابهين. قيل له: إذا رغبت بأن تصير من عظماء هذا الدهر ألا فاخلع نعليك، وسلم نفسك للجالس على العرش. فهو يسلخ قلبك عن جسمك ويلتهمه مشوياً ويطعمنا. فالقلب يقلق ويعذب. ويقلق من حولك الكثير من أصحاب السلطات. نعم، تعال نقتلعه. ونقدمه للملك. والملك يمتلك مفاتيح غالبية نواطير السلطات والمتحكمين به، من حيث يدرون او لا يدرون. فتصير عندها من مجلسنا. ونعطيك كرسياً وتخضع لك أعناق كثيرة. ويرفع اسمك أناس كثر.
ونظر “برهوم” فشاهد حاشية من بشر لم يكونوا أناسا. كانت رؤوسهم تتصل مباشرة باطرافهم. وقد اقتلعت صدورهم وأعناقهم. أحبّ “برهوم” أن يصير حاكماً، إلا أنه ما رغب بالتخلي عن قلبه الذي كان حصاناً برياً لا يعرف العبودية. وتذكر قول جدته له: “القلب يا ولدي هو الإنسان. فحين يذهب يموت”. وتطلع الجالس على العرش به. وقال: “أنت لست، ولن تكون من جماعتي. لا تصدقوه مهما قال لكم. إنّ هذا الصنف لا يروّض مهما فعلتم. ففيه روح قد تستفيق. ويتغيّر. فيهدد مملكتي. اقتلعوه من ها هنا. راقبوه”.
وسرعان ما انتهى الحلم. فاستيقظ “برهوم” مذعوراً وراح يبحث عن كوب ماء. وقد التهب حلقه من شدة الخوف. “أيكون قد أكل أكلة عسّرت الهضم؟؟”.
وعاد فاستلقى. فذهب بالحلم الى حيث كان. فسمع المنادي ينادي: “يا أهل كفرنسيان ما لكم؟؟ وافى الناصري ذلك الذي تقولون إنه مثالكم إلى “كفرنسيان”. وما استقبله احد. الجميع كان منشغلا. فحتى الخوري “يوسف” الناطق الرسمي باسمه الذي يعين ويعزل بالنيابة عنه، ما أعاره اهتماماً لأنه كان منهمكاً بنفسه كعروس. وافى وما وجد إلا بيت “مريم”، امرأة يعقوب الارمني كي يأوي اليه. فتناول معها بضع كسرات من الخبز ومضى. وسمع جدته تنهره في الحلم، قائلة:”اين كنت يا ولدي؟؟ أكنت تجري وراء زعيم أو ما شابه وقد فاتك الأصل؟؟ حزن “برهوم” واستفاق يبكي. فأحتار كل من في البيت بأمره حتى قيل إن الارواح قد عذّبته كثيراً في تلك الليلة”.
وصباحاً باكراً، داهم “برهوم” منزل “العجيز” مفسر الأحلام في “كفرنسيان” وتلا عليه ما أبصر، بحضور “الوجيه”. احتار “العجيز” وضحك “الوجيه” من منامه. وسأله: “الظاهر أنّ مناماتك حفلات شوي يا صبي!! مضحك منامك يا “برهوم ابن يعقوب”، فهو كأفلام “الفرد هيتشكوك” المثيرة. تحتاج لمن هو أهم من “العجيز” لتفسيره. ألا فخفض كمية الأطعمة التي تتناولها قبيل النوم. ألا ترى أنك تنمو عرضاً أيضاً”. أسف “برهوم” لِمَا سمع. وما اقتنع بما أبلغ. إلا أنه ما فهم ما حصل له، إلا عندما كبر. فاضحى يسعى بكل قوته إلى النجاح في معترك الحياة. قيل إنه حاول بشكل حثيث الوصول. إلا أنه لم يسلم قلبه إلى الوحش كي يلتهمه. وكان في كل مرة يجد قلباً متحجراً يسأل القادر أن يجعل من الأحجار أولاداً له أن يفعل.