البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي: آمن القديس يوحنا بولس الثاني بأن ازدهار المسيحيّة في لبنان هو الشرط لوجود الأقلّيات المسيحية في بلدان الشّرق الأوسط”.

إنّنا نشكرُ لكم، فخامة الرئيس، حضورَكم على رأس المكرِّمين لذخائر القديس البابا يوحنا بولس الثاني، ومشاركتَكم في هذا اللقاء الروحي الوطني المسيحي – الإسلامي، حول jean paul 2 1وصية هذا البابا بلبنان الرسالة. وأنتم فخامة الرئيس حافظتم عليها وعزّزتموها طوال الستّ سنوات من عهدكم الرئاسي الزاهر. إننا نستشفع معكم البابا القديس من أجل انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية قبل نهاية هذا الأسبوع الأخير من عهدكم، ويكون رئيساً على مستوى آمالِكم وآمالِ الشعب اللبناني.

وأودُّ الإعرابَ عن الامتنان والشكر لجمعيَّة الآباء اللعازريين، بشخص رئيسها الإقليمي الأب زياد حداد، على تنظيم زيارة ذخائر القدِّيس إلى لبنان، ولكلِّ الذين ساهموا في هذه الزيارة وفي هذا اللقاء.

إستقبالُ ذخائر القديس البابا يوحنا بولس الثاني، صديقِ لبنان الكبير، في كنيسة هذا الكرسيّ البطريركي، تحملُ رمزيةً ودعوة، يختصّان بما عنت له بكركي، وعنى لبنان، وبدعوته الملحّة إلى المصالحة الوطنيّة والحوار. وكأنّ كلماته موجّهةٌ إلينا، اليوم بالذات، وفي ظروفِنا الراهنة.

شأن البطريركية

2. في مناسبة تقديم أوراق اعتماد السفير نصري سلهب لدى الفاتيكان في 8 كانون الثاني 1983، قال البابا: “لقد أردتُ أن أُكرّمَ الجماعات المسيحية العديدة التي نمت وازدهرت في لبنان القريب جدًّا من أرض المسيح، وخصوصًا أبناء الطائفة المارونية، عندما دعوتغبطة البطريرك مار انطونيوس بطرس خريش، بطريرك الموارنة، إلى دخول مجمع الكرادلة عضوًا فيه” (البابا ولبنان، ص 36). وكتب إلى البطريرك يقول: “فلتنطلق من بكركي دعوتي إلى كلِّ الذين يعزّ على قلبهم مصير لبنان، لكي تلاقي كل مواطن لبناني يحبّ بلاده ويُدرك مسؤوليّتَه الشخصيّة، ويسعى إلى مستقبلٍ مضمون، تُصان فيه قيمُ كلِّ طائفة ، بتعاونٍ وانسجام” ( 25 كانون الثاني 1985).

وكتب إلى البطريرك خريش مرةً أخرى يقول: “إنّ بطريرك أنطاكيه الماروني، الذي يعتبره اللبنانيون رمزًا لبلدهم، وضمانةً للقيم الخاصة بكلّ مجتمع من مجتمعاته، سيكون ناطقًا أمينًا في التعبير عن المطالب والأمنيات التي تخالج نفس البابا، من صلاةٍ حارّة ومستمرة. وأنا على يقين من أنّ غبطتَكم ستبذل جهدًا فعًالاً يجد فيه المسيحيون في لبنان وسيلةً واضحة مشرّفة لتفاهمهم ولمعاونة جميع مواطنيهم لخلاص بلدهم” (5 نيسان 1985).jean paul 2 2

وعندما منح درع التثبيت لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في 23 حزيران 1986، قال البابا يوحنا بولس الثاني: “تبقى بطريركيةُ بكركي مرجعاً، وأنا واثقٌ بأنّكم ستبعثون الإرادات الصالحة، وكنيستُكم اكتسبت استحقاقات كثيرة نذكر منها: ثبات إيمانها الكاثوليكي، وشجاعة شهادتها، وأمانتها لهذا الكرسي الروماني، وإشعاع ثقافتها والحوار الذي أقامته بين الشرق والغرب”.

لبنان

3. أما عن لبنان، فيقول: “يمكنه أن يصبحَ من جديد مثالاً لمنطقة الشّرق الأوسط وللعالم بأسره، بوحدته ضمن احترام حقوق كلِّ مواطن، وضمن مكوِّنات لبنان الدينية والاجتماعية والثقافية، وكلّها عزيزة على قلب الكرسي الرسولي”. هذا ما قاله لوفد من النواب اللّبنانيين في 2 تشرين الأول 1980.

وفي رسالة إلى جميع اللبنانيين في أول أيار 1984 كتب: “لبنان قيمةٌ حضارية ثمينة. لنفكّر في ما الإنسانية جمعاء مدينة له به منذ عهد الفينيقيّين البعيد، من دون أن ننسى تلاقي الأديان فيه، والحوار الثقافي بين شرق وغرب، والمبادرات المسكونية، والحرية، وانفتاح الروح، والمثالية الديمقراطية، والتنوّع في الوحدة”.

وكتب إلى مطارنة العالم الكاثوليكي في 7 أيلول 1987: “إن لبنان أكثر من بلد. إنّه رسالةُ حرية، ونموذج في التنوّع، للشّرق كما للغرب”. فدعاهم إلى تخصيص يوم صلاة من أجل لبنان، وقول الحقيقة أمام إعلام منحاز، مبيّنين التقاليد الغنيّة والعريقة في التعاون القائم بين المسيحيّين والمسلمين.

وكتب إليهم: “إذا زالَ لبنان، فإنّ قضيّة الحرية بالذات ستُصاب بالفشل الذريع ويكون أكبر تبكيت لضمير العالم”.

واعتبر القديس البابا يوحنا بولس الثاني، في رسالة سابقة إلى مطارنة العالم في أول أيار 1984: “إنّ ازدهار المسيحيّة في لبنان هو الشرط لوجود الأقلّيات المسيحية في بلدان الشّرق الأوسط”. وأضاف: “إننا نعتمد على مسيحيي لبنان وعلى وجودهم في بلد ديمقراطي، منفتح على الآخرين، في حوار مع الثقافات والأديان. وهو بذلك قابل للحياة، وبإمكانه أن يؤمِّن الوجود المسيحي في مناخ من الحرية والكرامة”.jean paul 2 3

المصالحة والحوار

4. وكم من مرّة كرّر هذا البابا القدّيس الدعوة إلى الحلول السلميّة في لبنان: “أمنيتي أن يسعى جميعُ أبناء الطوائف اللبنانية، إبتداءً من الطوائف الكاثوليكيّة، إلى تنقيةِ عقولهم وقلوبهم من الأنانيات والنزاعات. فَحَلُّ معضلات لبنان الداخليّة يقتضي مصالحة وطنيّة، ولو لا تُحَلُّ معها الصعوبات الخارجيّة على الفور. إنّ منطقةَ الشَّرق الأوسط بحاجةٍ ملحّة إلى المصالحة. والمصالحةُ الحقّة لا تتحقّق أبدًا على حساب العدالة والحقوق الأساسيّة” (كلمته إلى سفير لبنان نصري سلهب في 8/1/1983).

وفي مناسبة تطويب الأخت رفقا قال للّبنانيّين المشاركين في 18 تشرين الثاني 1985: “أطلبُ من المسؤولين المدنيّين والدينيين إستئنافَ مسيرة الحوار، واضعين نصبَ أعينهم خيرَ الأمّة العام، وخيرَ المواطنين التوّاقين إلى السلام. ولا يمكن القبول أبدًا بمبدأَي العنف والبغض، لكونهما يناقضان إرادة الله”. والتمسَ شفاعة الطوباويّة رفقا التي سمّاها “الراهبة المثاليّة، زهرة كنيسة أنطاكية المارونيّة، والنور الثمين للجماعة الكنسية الجامعة”.

دعاء

5. إنّنا نخشع اليوم أمام ذخائر القديس العظيم البابا يوحنّا بولس الثاني، الذي خصَّ لبنان بجمعية خاصّة لسينودس الأساقفة الروماني، انعقدت في تشرين الأول 1995، وبزيارة وقّع فيها إرشاده الرسولي “رجاء جديد للبنان” في 11 أيار 1997. ويبقى الإرشاد خريطة طريق للنهوض بهذا الوطن الحبيب بمؤازرة الجميع. ونرفعُ صلاةَ الشكر له على كلّ ما فعل من أجل لبنان، هو الذي ما انفكّ يومًا عن الدفاع عنه، وحمل قضيّته إلى العالم كلّه بمداخلات فاقت المائتين والخمسين.

ففي 15 سنة من أصل 27 من حبريته كانت له 171 مداخلة متنوّعة المواضيع والأشخاص والهيئات الموجّهة إليها ما بين 17 تشرين الأول 1978 في أول كلمة له حتى 27 شباط 1994. وقد نشرتها جامعة سيدة اللويزة في كتاب عنوانه “البابا ولبنان”، حقّقه الأب جان مارون الهاشم.

هذا كلّه قبل انعقاد السينودس الخاص بلبنان (1995) والزيارة إلى لبنان وإعلان الإرشاد الرسولي (1997)، وما سبقهما ولحقهما من مداخلات حتى وفاته في 2 نيسان 2005.jean paul 2-3

إنّنا بحضوركم، فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، نجدّد العهد بالمحافظة على لبنان بكلّ مكوّناته الدينية والمدنية، وبالسعي الدائم إلى المصالحة الوطنيّة والحوار، وإلى تعزيز العيش معًا والتعاون بين المسيحيّين والمسلمين، على أساسٍ من الاعتدال والاحترام المتبادل وحماية الحريّات وحقوق الإنسان، مع الإدراك بأن لبنان قيمة ثمينة ينبغي بلورتها ووضعها في خدمة الأسرتَين العربية والدولية، بشفاعة القديس البابا يوحنا بولس الثاني.

عشتم! وعاش لبنان!

********

(*) كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي – إستقبال ذخائر القديس البابا يوحنا بولس الثاني- اللقاء الروحي الوطني المسيحي – الاسلامي – بكركي، في 19 أيار 2014

اترك رد