صدر عن “دار فواصل” في بيروت كتاب “أضواء ثقافيّة” (تحقيقات وحوارات) للشاعرة والإعلاميَّة ميشلين مبارك، فيه توثيق لما جنى قلمها وهي تتنقل في حديقة الثقافة المزهرة بألف لون ولون، ومجموعة من الصُّور التي تجمع ميشلين مبارك مع كتَّاب وأدباء وفنانين. تصميم الغلاف الفنان إيدي بندلي.
كلمة الناشِر
في كلمة الناشِر على الغلاف الخلفي اختصر الشاعر نعيم تلحوق الكتاب بالتالي:
لا تستقيمُ الكلمةُ إلا بعصمةٍ نبيلةٍ، والنقل لا يصُحُّ إذا لم يجاره عقل…. من هذا المكان يُبحرُ الإعلامُ والصَّحافة المسؤولة التي نحرصُ عليها لتكونَ أرقى…. من هذه الكلمة – الصّحافة إنطلقت ميشلين مبارك كإعلاميَّة عصامية انزاحت عن مواجهة الآخرين لتواجه ذاتَها أولًا، حين كان يربُطها الخوفُ الدائمُ مع الأماكنِ والأشخاص، وهي بنت العشرين التي تنقلت في الأمكنة بخوف وحذر شديدين. اقتحمت، خوفها، وفكَّت عُقدةَ الأماكِن والأشخاص الذين التقتهم، فكان ديدنها مجاورة الحُلم الذي يبدأ بالصّحافة ثم الأدب بقصائدَ وِجدانيَّةٍ ذرفت فيها حبًّا وحنيناً للمدينة التي تجمع كلَّ المتناقضات. أضواء ثقافية عبارة عن تحقيقات وحوارات لامستها الكاتبة وهي في طريقها إلى الحُلم، فسارت على طريق الجُلجلة في الكتابة الصحافيَّة والأدبيَّة، حتى تداخلت فيها، فغذَّتها بالكتابة والقراءة، ومتن عودُها، وراح شغفها للأدب يغذّي حُبَّها للإنسان، فتوحدت مشاعرُها الوطنيَّة والإنسانيَّة بالحريَّة دون إنزياحها عن القيم التي ورثتها من “حزب العدرا”، حتى تناغمت مع الأشخاص بمَن هُم الآخر المُخالف لرأيها.. وتصادقت معهم بما هُم عليه… وهذه قيمة قلّما يتحلّى بها الكثير من الكُتّاب……
ميشلين، في هذا الكتاب، تطرحُ أسئلتها على أعلام في الصحافة والفكر والفن بشفافيَّة وعُمق، أجادت في تحقيقاتها عمّا تبحث هي عليه، فتحلَّقت حول الأدب وتحلق الأدبُ حولَها، لأنَّها وجدت نفسها في هذا العالم العادي الذي لا يُمكن أن تنقذَه إلا مخيِّلةُ الشُّعراء والفلاسفة والفنانين….
“أُعبِّر لأعبُر”
قدَّمت ميشلين مبارك لجديدها بكلمة تحت عنوان “أُعبِّر لأعبُر” جاء فيها: أتذكَّرُ بدايتي في الكِتابة الصِّحافية تمامًا كما لو أنها بالأمس القريب، مع أنّ هذا الأمس مضى عليه أكثر من خمس وعشرين سنة، تخللَّتها أحداث وتغييرات إن على الصعيد الشخصيّ أو المهنيّ أو الوطنيّ. تجارب كثيرة عشتُها تركت أثرًا في روحي وفي ذاكرتي، في قلقي وفي قلمي، في فهمي للحياة وفي مَعناها، وساهمت في تطوير ذاتي. سواء كنتُ راضية عن هذا التطوير أم لا، لكنَّه جعلني أُعبّر بالكِتابة، أُعبّر لأعبُر…
إلى أين؟ ليس إلى جغرافية مُحدَّدة بل إلى مُصالحة مع طُفولة حزينة نتيجة حرب عشتُ فُصولَها رغمًا عني، إلى تصالُح مع يُتم، مع موت أحبّاء ومع شِتاءات ربما يأتي يوم أرويها في حِكايات.
المهمّ أنني بدأتُ من دون إدراك مني بالكِتابة، استيقظتْ ابنةَ الخامسة عشرة على وقع تصفيق زملائها في الصفّ، وبطلب من أستاذ اللُّغة العربيَّة، لمواضيع الإنشاء المميّزة.
وبدأت ابنة العشرين الطالبة في كليَّة العُلوم السياسيَّة في الجامعة اللبنانيَّة، تكتبُ وتنشر مقالاتها في “مُلحق نهار الشباب”. ومن هناك كانت البداية، في أول مقال نُشر لي عن قراءة لكتاب “مدخل إلى لبنان واللبنانيين” للدكتور جورج قرم. يومها، اتصل الأستاذ جبران تويني على هاتِف البيت (ولم يكن للموبايل وجود)، وطلب مني زيارته في مكتبه، في طلعة العكاوي في الأشرفية. تساءلتُ في نفسي “ألم تعجبه المقالة؟، هل هناك خطب ما فيها؟”
ما أن طلع النهار حتى أسرعتُ إلى مُلحق النهار. ملبَّكة ومتلعثمة، وقفتُ أمام الأستاذ. بكل هدوء، وبعد الانتهاء من ترويقة منقوشة الزعتر، شرح لي أنّ المقالة التي كتبتُها، أعجبت كثيرًا المسؤولين في دار النشر أي “دار الجديد”، وطلبوا أن أذهب إليهم. كيف؟ وأين؟
من قلق إلى آخر، استفسرتُ عن المكان في مبنى الاتحاد في الصنائع، توجَّهتُ بالتاكسي إلى “دار الجديد”. اخترتُ كتبًا كثيرة وكتبتُ عن بعضٍ منها.
وبين الفينة والأُخرى، كانت الكِتابة تهمِسُ في أذني، فخرجتُ بتجربة شِعر، ثم وظيفة حُكوميَّة، ثم زواج وأولاد… لكن الكِتابة كانت وما زالت تقُضُّ مضجعي، هُمومها تقلقني، لا أرتاح إلاّ في بوحِها وتجاربها…
وبعضُ هذه التجارب هو هذا الكتاب “أضواء من نافذة الثقافة” كأرشفة لبعض ما كتبتُه حتى الشهر الأول من عام 2025. كتابٌ توثيقي لأتجنَّب أخطاء عدم أرشفة كتاباتي وأنا على مقاعد الجامِعة.
فشكرًا للمواقع الإلكترونيَّة والصُّحف والمجلَّات التي فتحت لي أبوابَها، وشكرًا لكلّ من يتابعني ويقرأ ما أكتُب. إلى القارئة المُثقَّفة وكلِّ فتاة وامرأة مُناضلة،أقدِّم هذا الكتاب، إلى كلّ عاشقة وعاشق للثقافة، والثقافة بنظري مفهوم واسع، من الأرض والطبيعة والسماء إلى الأدب العالمي والشِّعر العربي والفُنون التشكيليَّة والذَّكاء الاصطناعي والذَّكاء العاطفي وغيرها الكثير الكثير…
إلى المُثقَّفة بأخلاقِها وإنسانيَّتِها، قبل أن تكون مثقَّفةً بقلمها وشهاداتها، أقدِّم هذا الكتاب.