قراءة في رواية لونا قصير “أخطاء وخطايا”

 

 

 

د. سهيل مطر

 

 

أيها الأصدقاء

قبل أن نستعرض، بمحبّة وصراحة، أخطاء وخطايا لونا قصير، دعوني أعترف أمامكُم، وبمحبّة وصراحة أيضًا بثلاثة أخطاء وخطايا:

١-أنا لا أعرف لونا، معرفة عميقة وصحيحة: ما جمعتنا لا وَحدة المسارين، ولا العلاقات المُميّزة ولا الليالي المِلاح… مع ذلك، أتحدّث بها وعنها ولها، وكأننا في صداقة تاريخيّة.

٢-أنا لا استحقّ صفة “ناقِد”، لأبحثَ في الكتاب، بحثَ الناقِد الذي يُدقّق ويكشِف الزوايا والخبايا والجمالات والسقطات… وبينكُم من يتفوّق عليّ معرفة، وليد ويُسرى، إلا أنني إن فشلتُ في البحث عن جمالات الكتاب، أرجو ألا أفشل في كشف جمالات لونا قصير.

٣-أنا ضعيف تجاه ما تقوله وتطلبه ميراي شحاده، فأخضع دون تدلّل، أخطأ والدها عبدالله في إملاء اسمها: أميرة، فحذف الألف من أوّل أميرة إلى آخرها لتُصبح ميراي الآمرة بمحبّة وتواضُع.

فسامحوني على هذه الأخطاء والخطايا، ومن كان منكم بلا خطيئة، فليرجمني بحجر، فإن عفوتم عنّي، فارجموا صاحبة أخطاء وخطايا.

 

ويا أيّها الأصدقاء.

تعالوا معًا، قبل أن نقرأ الكتاب، أن نتصفّح صاحبة الكتاب.

اعترف أمامكم أنني في مطلع شبابي، كتبتُ مجموعة تحت عنوان “قراءة صامتة في عينيها…” لن أخون تلك العينين، ولكنني اليوم، أحاول أن أقرأ وجهَ لونا، وما أجمل الاسم، لونا ولينا، ولونا هي القمر.

القمر بيضوّي عالناس/ والناس بيتقاتلو (هذا مختصر الكتاب)

عا مزارع الأرض الناس، ع حجار بيتقاتلو

نحنا ما عنّا حجر، ولا مزارع ولا شجر/ إنت وأنا يا حبيبي/ بيكفّينا ضوّ القمر.

يا ليتنا جميعًا، يا لونا، نكتفي بضوء القمر. ولكننا لا،

منذ طُفولتك والصبا، وأنتِ تعيشين أجواء  الدم والعُنف والموت.

حروب، معارك، اغتيالات، و١٣ نيسان، وو…٤ آب،

منذ طفولتكِ وأنتِ تهربين إلى الأحلام الحلوة… سنوات وسنوات وأنتِ تخبّئين، في صدرِك، ووراء القميص الزهري، حُبًّا كبيرًا، كبيرًا، للبنان، للإنسان، للأرض.

منذ المُراهقة في تلك المدرسة، هتف لكِ طائر الحُبّ، تغلغَل في طيّات مريولِك، خرمشَ خُدودك، داعب شعرك القصير، قدّم لكِ وعدًا ومواعيد…

واستجبتِ له، تجرّأتِ، وكما العصفور، نقرت شفتكِ زُجاج النافذة. تشاجرت مع القفص، وانطلقت، متمرّدة، ثائرة، صرخ بِك المُعلّم، لم تُبالي، تابعتِ الطريق ولا تزالين…

 

في زمن الحِقد، أيها الأصدقاء، من يجرؤ على الحُبّ الجميل غير لونا؟

في زمن الجنس الرخيص، من يجرؤ على الحُبّ الجميل غير لونا؟

في زمن اعتبار الحُبّ أفيونًا يُهرّب، ويُمارَس في الأقبية، ووراء الأقنِعة، من مثل لونا يخلع القناع ويجرؤ على المقاومة؟

في كتابها هذا، ترتكب لونا المقاومة: جوانا هي الرمز، هي البطلة… مباركة كلّ خطاياكِ يا جوانّا، ولتخرس ألسنتهم الفاجرة وألف خطيئة حُبّ ولا خطأ واحد، في حقّ الإنسان، وفي حقّ لبنان، وفي حقّ الكرامة والحريّة.

كتابك هذا يا لونا ردّ برصاصة القلم، على كلّ رصاصاتهم المُسيّرة في الجوّ والأرض والبحر، روايتك هذه، صفعة في وجه الظُلم واللاعدالة والفساد والموت.

أخطاء وخطايا، لعنة في وجه قايين، وكم من قايين على هذه الأرض.

 

ويا سيّدتي، “جوانا” أو “لونا” لكِ  جاد، ولي رواد.

صبيحة هذا اليوم، قرأت في إحدى الصحف لشاعر لا أعرفه اسمه: أنس العيلة، يقول:

البلد الّذي تضاءل مثل غيمة صيفٍ

سيتناثر عمّا قريب

مخلّفًا بقعًا صغيرةً على الخريطة

 

البلد الّذي سيتلاشى مِنْ تحت قدميك

لن تجد اسمه في القواميس

ولا في دليل السفر

ستجده في سجلّاتٍ قديمةٍ

صورًا على الحائط

بأسماءَ ورموزٍ لا يتداولها أحد

 

اسمعي ما كتب لي رواد  منذ أيام:

مع إني عشقتُ بلادي حتّى الجنون

وحتّى الخطر

كتبتُ اسمها فوق ألف جِدار

حفرتُ قلوبًا لها بالأظافِر فوق ضُلوع الشجر

ووشمتُ خريطتها فوق زندي وتحت النظر

واتخذتُ مفاتنها قبلة ومصلّى

واعتبرتُ هواها اختيارًا، حريّة وقدَر

مع ذلك أريد جواز سفر…

لا وألف لا…

 

لا يا جاد، ويا رواد، ويا رفاق جاد ورواد، ولا يا أنس

لا، سنبقى هنا، الهويّة أحبّ  من جواز السفر،

عطر الليمون في طرابلس ألذّ وأطيب من أفيونهم ومخدّراتهم.

الرابطة الثقافيّة أحبّ إليّ من روابط الغشّ والتزوير والحديث عن حقوق الإنسان.

ومهما حاولوا أن يدفعوكم إلى الهجرة، فإنهم ينتزعونكم من قلب الوطن، ولكنّهم لا يستطيعون أن ينتزعوا الوطن من قلوبكم.

ويا لونا،

نصيحة أخيرة: لو لم تكن الخطيئة جميلة وجميلة جدًّا، لما ارتكبناها، فاخطئي دائمًا، وأنتِ وأنا، يا لونا بيكفينا ضوّ القمر.

والسلام عليكِ ورحمةُ الله.

***

*ألقيت في الندوة حول رواية “أخطاء وخطايا” للروائية لونا قصير  في جناح “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” ضمن فعاليات معرض الكتاب السنوي الخمسين-الرابطة الثقافية طرابلس، شارك فيها إلى جانب  د. سهيل مطر، البروفسور وليد الأيوبي،  د. يسرى البيطار، المؤلّفة لونا قصير، أدارتها  المهندسة الشاعرة ميراي شحاده.

اترك رد