ألفا ممثلًا المرتضى في تكريم غابرييل يمّين: كل النصوص لا تفيه حقّه

 

كرم تجمع سيدات عين داره الممثل والكاتب والمخرج غابرييل يمين وسط حشد ضاقت به صالة كنيسة السيدة في البلدة، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا بالكاتب والاعلامي روني ألفا، وبحضور النواب سيزار أبي خليل، سليم عون وغسان عطالله ورئيس البلدية ومقامات دينية ونقيب الممثلين نعمة بدوي وعائلة المكرم.

تلا ألفا كلمة المرتضى فقال: “ثمة نصوص تجدها في محلات الملبوسات الجاهزة شغل مكنات تفصلها الروبوتات وتدرز أكمامها آلات خياطة مؤتمتة لا تحتاج إلى دواسات تحركها أرجل أمهاتنا. نصوص جاهزة لتكريم كيفما اتفق”.

أضاف: “حتى ربطات أعناق لابسيها معقودة سلفا. نصوص جاهزة للمديح الأجوف. نصوص تتمدد مثل الأسماك المفرزة في السوبرماركت يجهد بائعوها ليقنعوك أنها آتية للتو من بحر جونيه أو شاطئ صيدا ليبيعوها لك يا غابرييل على أنها طازجة وأنها كانت تفرفر في شباك الصيادين منذ دقائق. النصوص الجاهزة لا تليق بغابرييل. جسمه ليس لبيسا لأي نص مداح.

عليك قبل التحدث عن الفنان كالذي بيننا اليوم، أن تكون خياطا ماهرا تماما كذاك الذي يحمل خلف طبلة أذنه اليمنى أو اليسرى لا فرق، طبشورة مروسة بيضاء وبين إصبعيه المحترفتين مقصا يتعاطى مع قماشة النص كأنما النص حجر ألماس من ألف قيراط مستورد للتو من صخرة في مجاهل بوتسوانا أكبر منجم للحجارة الكريمة في إفريقيا والعالم. حتى تكتب عن غابرييل يمين عليك أن تأخذ مقاس كتفي موهبته وتلف خصر إنجازاته بماسورة مرقمة بالحذر ثم تقص له الثوب الأبجدي قبل أن تكتب هندامه الإبداعي بدقة لا متناهية.

عقبة تقنية أخرى لا تقل شأنا عن العقبات المذكورة تتعلق بوحدة النص. هل تخيط نصا على مقاس موهبة واحدة أو عدة مواهب. نص عن الموسيقي وآخرعن الكاتب وآخر عن الممثل وواحدا عن المخرج. تكتشف أن ليس لديك أمتارا كافية من الأقمشة”.

وعن موهبة يمين قال ألفا: “صدقوني إنها معضلة الخياط الذي تحذره الطبشورة من زيح يزيد أو ينقص وينبهه المقص من مغبة ارتكاب الخطأ الجسيم في طول الزاف أو قصر الأكمام. ما أن تنتهي من تفصيل الثوب وتبدأ بتجميع ما لديك من حروف تتنبه إلى أن غابرييل يمين لا يحتاج إلى نصك.  هو يرتدي فنه من خياط إلهي بلا مقص ولا طبشور. كل ما عليك أن تفعله هو الاعتراف أنك ستحاول ملكا مستعينا بمهاراتك المتوفرة راجيا أن يستلم منك غابرييل ثوبا ينم عن تواضع موهبتك في الدرز والتفصيل ويقبله راجيا أن يرتدي حلتك المدحية إذا ارتأى ذلك وحسبي اليوم من عين دارة أن تواضعه وافق أن يعلق النص المتواضع  الذي يصفه في خزانة ملابسه”.

وأردف ألفا: ” دعوني أقول وأنا غير الملم إلا عرضا بعبقرية عالم المسرح أن غابرييل يمين من سلالة السحرة. فباستطاعة هذا الفنان أن يحول أي مكان فارغ وموحش إلى خشبة مسرح. يكفي أن يضع على هذه الخشبة شخصا يتحرك ويتكلم ليأتي شخص يجلس على مقاعد الحضور لتتحقق ثورة مكتملة”.

وعن علاقة المسرح بالثورة أكد ألفا أن “الثورات أصلا هي مجموعة أبطال يتحركون في شوارع بلا أصوات يحولون حيطان المدينة إلى مكبرات للصوت يتعاطف معهم المشاهدون من منازلهم فيتحولون هم أيضا إلى أبطال”. وقال: “غابرييل يمين حولنا جميعا إلى أبطال في مسرحه دون أن نصعد إلى خشبة. يكفي أن نكون معلقين على خشبة على شكل صليب حتى نجترح فعل الخلاص”.

أضاف: “أهمية غابريل يمين سيداتي سادتي، هو أنه أدخلنا إلى مسرح الحياة بكل تلاوينها حتى ما عدنا نعرف عما إذا كان هو المخرج لأحزاننا المكبوتة أو عما إذا كنا شركاءه في كتابة النص. ملكية أحزاننا لنا والملكية الفكرية لغابرييل. حرر غابرييل ملكة الخيال في وجداننا وليس صحيحا أنه في رحيله خيرنا بين الحقيبة والتابوت. حزمنا معه حقائب السفر دون أن نغترب وأخرجنا من توابيتنا الصغيرة فدفنا فيها جثامين يأسنا. التوابيت الوحيدة التي فصلها لنا غابرييل يمين في مؤسسة دفن موتى يأسنا هي توابيت مفصلة على قياس القتلة الذين قتلناهم على مسرحه”.

وعن تجربة الفنان مع المعاناة قال ألفا : “أنجز غابرييل يمين بعد ثمان وخمسين سنة معموديته الثانية. الأولى غطسته بمياه الجرن بعد صرخة الولادة التي أطلقها  من رئتيه والثانية من جرن الدموع بعد صرخة شربل في رئتيه. الفنان هو الكائن الوحيد الذي حباه الله بمعموديتين، الأولى لاستقبال الحياة والثانية لطرد الموت. في كل زفيره شهيقه لم يلون لنا غابرييل يمين أحلامنا. أحلامنا مصنوعة أصلا من جراحنا. أتانا غابرييل يمين ليغرز قلمه في الجراح وحول أحلامنا إلى ندوب فوق صدور توقنا المتأرجح بين اليأس والرجاء”.

وعن أعماله اعتبر ألفا أن مقتل ” إن واخواتها  كانت إحدى تلك الندوب التي أمسك فيها غابرييل بسكينة ريمون جبارة وساهم في التنقيب عما تبقى من قيح عذابات أيامنا”. وقال: “الحزن هو الخياط وغابرييل هو عارض أزيائه ولذلك لا بد لنا أن نعاني من نزيف البطالة والفقر والمرض والإضطهاد حتى ندخل إلى عالمك أيها المبدع. موهبتك يا صديقي لا يعترف بها الأغنياء والطغاة وتجار السياسة. أنت مجبول من أرغفة الفقراء ونومة تشي غيفارا ورطوبة زنزانة مانديلا وعطر جثمان أحمد الدرة والمسك المتفشي في أيادي أكف المظلومين في بلدي وأريج شهدائنا التي تبكي عليهم أمهات عظيمات في جنوبنا الغالي وهذا سر عبقريتك”.

وعن التجربة الروحية ليمين قال ألفا: “عد الى الدير غابرييل. الى الدير الذي ركنت اليه من سنينك الست لأنه مسكون بأقربائك. منذ يفاعك تيقنت أن الأديرة التي يسكن فيها الله هي الأديرة المزدحمة بالآخر. وأنت ما زلت راهبا في دير الآخر. الله يسكن هناك لا في ابتهالات العزلة وأنانية المسافة. كل مسيرتك هو عودتك لهذا الدير الذي ما زلت تصلي بين جدرانه خلاص الناس لكن مع الناس. لذلك مسرحك صلاة وصلاتك مسرحك. القداسة أيها الإخوة هو كل واحد منا إذا صلى الثورة وثارت صلاته على موبقات هذا الزمن القبيح”.

وختم مخاطبا المكرم: “دمت لنا غبرييل يمين ووفقنا الله في المرة القادمة أن نتعلم كار الخياطين البرعاء علنا نفصل ثوبا يليق بك في زمن الملبوسات الجاهزة”.

 

اترك رد