في اتجاه اللانهائي

 

 

 حورية الخمليشي

                           (كاتبة وناقدة فنّيّة من المغرب)

 

في أجواء تفوح بعبق الرسم والشعر على أنغام موسيقى أم كلثوم، احتضنت الإقامة الفنّيّة ورشة حفر بتاريخ 23 نونبر إلى 26 نونبر ضمت مجموعة من التشكيليين والشعراء من جنسيات مختلفة من المغرب وبلجيكا وإيرلاندا في ورشة حفر مفتوحة على التجريب في جوّ عائلي مفعم بالصداقة والمحبة.

 

الإقامة الفنيّة الدولية من تنظيم مؤسسة دار الفن المعاصر لأحلام لمسفر بشاطئ البريش الواقع بين مدينتيْ أصيلة وطنجة بهدف السعي إلى تحقيق تناغم وتجاور بين فنّانين وشعراء ونقّاد في أعمال فنّيّة مفتوحة. هذا المركز الذي لعب دورًا كبيرًا في الانفتاح والتبادل الفني الثقافي بين الفنانين المغاربة والعرب وغير العرب. وهي التجربة الثانيّة لأحلام لمسفر. فالتجربة الأولى كانت مرحلة الكوفيد، ولم تستطع الاستمرار. وقد حضر الورشة كل من أحلام لمسفر، وأحمد جريد، وبوعبيد بوزيد، ورحيمة الحرود، وصلاح الوديع، ورشيد المنوني، ومعتمد الخراز، وثوريا مجدولين، وحورية الخمليشي، وJean-Henri Compere من بلجيكا، وFionnalla Mc Kenna  من إيرلاندا.

 

إن الحفر في التجربة التشكيليّة المغربيّة يمتاز بصيت عربي وعالمي. ترى أحلام “أنّ الفنان حينما يدخل غمار الحفر لأوّل مرة يجد أنّ هناك صعوبة كبيرة بالرغم من صِغر حجم المنتوجات. ولكن حينما تتعمّق في ذلك ينتابك طموح بالاشتغال عليه. إنها طريقة مختلفة التعبير.. فيها الكثير من الصدفة. بحيث لا يمكن أن تتصوّر كيف يمكن أن يكون العمل. ومدى تجاوب الخامات لإرادتك، وكذلك الورق. بحيث يجب أن تكون له أهميّة كبيرة وإنجاز العمل بتدقيق كبير”.

 

كان الهدف من ورشة الحفر هو محاولة الانسجام بين الفنان والشاعر من خلال علاقة التجاور والتفاعل بين الشعر والفن، بين النص البصري والنص الكتابي. فالفنّان يرسم لوحته والشاعر يكتب قصيدته دون تأثير أيّ منهما على الآخر في عناق فنّي خلاّق دون الالتزام بأيّة تيمة مَوضوع معيّن. لذلك أحببت أنّ أسمّيها “في اتجاه اللانهائي” لتُجمَع في كتاب فنّي بعنوان (لسان الطير)، يجمع أعمال فنّانين تشكيليّين وشعراء.

أحلام لمسفر من الأسماء الوازنة التي تشتغل على الطبيعة بكثير من التناسق الخلاّق وبعيدًا عن أيّ محاكاة. فحفريّاتها تفتح أشرعتها لسفر فنيّ في الذات والطبيعة والأشياء، لتسرح في فضاءات لانهائيّة. تعوّل على حساسيّة المتلقي. فعَيْنها الرائيّة تقودها إلى عوالم جغرافيّة وأمكنة غير مرئيّة فحفريّاتها.

أحلام التي تربطها علاقة عشق بالشمس والبحر والموج والرمل. فالموج عندها جزء من جسد اللوحة، وبها تجسّد شيئًا من صُوَر الخلْق. خلْق الشيء من اللاَّشيء. فكأنّ ضوء الشمس صار نورًا ممتدًّا في أزمنة وأمكنة أعمالها الفنيّة.

 

وبما أنّي كنت أراقب يومها وهي تتنفّس روحها من جديد في كل حركات يدها في تفاصيلها اليوميّة. يُهيَّئُ لي أن أحلام تُعلِّم الأحلام لتُهدينا إلى مواقع جماليّة غير مرئيّة. كنت بين فينة وأخرى أسألها عن عشقها للرسم لأمسك بالخيط الذي يسير بي إلى اكتشاف عوالمها المشرقة، بينما ضاعت عيناي في فضاء لوحتها وهي تحفر على الزّنك في تتبّع لحركات يدها التي تؤكّد بها وجودها. فرسومها مرآة روحها.

 

ترى أحلام أن الفن خلْقٌ واكتشاف. فهي تعشق البحر والرمل وشساعة الأزرق، ما منحها هذا القدر الهائل من النعومة في لوحاتها التي تختبر نسبيّة الأشياء إلى بعضها البعض، والتي تمتاز بجمالٍ ضوئيٍّ خفيٍّ تُغيِّر به طريقة الّنظر التي لا ترسو على شاطئ، والتي تعكس دفء مشاعرها الإنسانيّة وبصمة فكرها. فجاءت لوحاتها عامرة بالدفء والحياة. 

 

لا تحتاج رسومات أحلام إلى توقيع. فلوحاتها مرآة، وهي تشبهها. فأناقتها وفنّيتها تتقدّمها بسحر ألوانها وفضاءاتها التجريديّة التي تركت أثرها العميق على مفرش اللوحة، وعلى تجربتها الفنّيّة المتجدّدة على الدوام. الحب والحُريّة جزءٌ من أحْلامِ أحْلامْ، ما جعلها تشبه نفسها وبها تُحدث تحوّلاتها الفنّيّة والجماليّة، بل وبها تفتح كذلك أُفُقاً فنّيًّا للذّوق الفني.

 

اترك رد