بقلم : الأديب مازن ح. عبّود
انتظرت طويلا، في ردهات المستشفى، وصولك يا حبيبي. ولمّا اطللت يا حبيبي. تطلّعت فيّ عميقاً، ورمقتني بنظرة قبل أن تبكي بخفر. وانت لم ترد أن تخرج بسهولة من حشا أمك اصلا بشهادة طبيبك. كان الطقس عاصفاً وماطراً في الخارج. كانت هذه المرة الأولى التي يزور الثلج فيها بلادنا منذ أشهر، وذلك بالرغم من أنّ الفصل شتاء.
خرجت من غرفة الولادة في عربة. أقلتك ممرضة إلى حيث يرتاح أطفال الدقائق والساعات الأولى بعدما استكملوا مشوراهم من ومضة إلى جنين ،ودخلوا بوابات العالم كرضّع.
حملت آلة التصوير ورحت ألاحقك. التقط لك ما استطعت من صور، كأني “باباراتزي” مجنون يلاحق أميرة. لم أكن قد أدركت وقتها أنني “بابا” وليس “بابارتزي”.
علقت في عينيّ الدموع. فحتى مجاريها أقفلت في تلك اللحظات، يا عزيزي. لم أعرف ما يتوجب عليّ قوله لك يا بنيّ. سكن فيّ الصمت. وخيّم عليّ يا بنيّو. صرت أصارع كي تنحلّ عقدة لساني التي ما انفكت إلا تدريجاً بعد ساعات.
كان فرحنا كبيراً بوصولك. فقد ولد لنا إنسان جديد في هذا العالم. كنت صغيراً جداً إلا أنّ عينيّك كانتا كبيرتين جداً، وتتكلمان بما لا تعلمان يا حبيبي. اذهلتني تلك العينان مع شفتيك المقلوبتين ووجهك الذي راح يسطع بأنوار طالما انتظرتها. أضحى لي ابناً. شعور غريب لا يعرفه إلا من صار أباً. ضممتك إلى صدري مع أمك وشعرت برغبة بالبكاء، إلا أنّ الدموع خانتني مجدداً. وصرت أعزل من كل الوسائل يا طفلي. فعندما ينسحر البشر ويندهشون. يخطفهم الذهول. والذهول صمت واستكانة وتأمل يا ولدي. استرحت لوقت قليل كأني خارج من مخاض أو حرب ضروس. فالمشاعر القوية تفرحني وتنهكني. كنت سكراناً. كنت غارقاً في نشوة غريبة. وأنا ما احتسيت الخمر ولا قاربت حشيش الكيف البتة. أتكون أنت من سقاني مشروباً من نوع آخر يا ولدي؟…
ولد لنا طفل. وسأتلو عليه يوماً من قصص جدي “حبقوق” وخالي”أنطون” وجداتي “رمزا”و”إيفا” و”سلوى” و”سارة” الشيء الكثير.
وسانتفض كعنزة من عنوزية كي أقول:
“أنا عنزة من عنوزية وقرني من حدودية
ويلي أكلّي وليداتي يلاقيني عالبرية”.
آه يا ولدي، كيف تتغيّر الأدوار!! فمن كان طفلا في الأمس، يدمن القصص والخيالات، أضحى اليوم أباً يقدم لوالده ما توفر له منها. لكن ماذا أقدم إليك يا طفلي؟؟ سأقدم لك قلبي وعمري وحياتي كلها يا حبيبي. وسأكون إلى جانب أمك في إنضاجك وثقلك كي تكبر فتؤدي ما رسم لك أن تؤدي من أدوار.
كبرت التحديات يا ولدي. وأنت التحدي والمشروع الأكبر!! نم يا صغيري ولا تخف. فالملائكة “ستنطرك” وتحميك. ولنا آباء واخوة تصلي لنا. وعندما تستفيق ستجد بالقرب منك حتما أماً جميلة تغني لك أغنية نظمتها لاجلك وحدك. ستفرح بوالدك ينظر إليك بحنان. وستعشق جدتك التي ترعاك. وستسر حتما بجدك وعمك وعماتك وخالاتك وأخوالك وأولادهم. أطرب لأنّ الربّ شاء أن يكون لك بيتاً حصيناً وعائلة محبة.
ربي أشكرك على عطيتك أشكرك على الأم والطفل وكل شيء، وليكن ابني الصغير على صورتك يا الهي.
********
(*) بمناسبة ولادة بكري ديمتري في 13-3-2014