“كش ملك” معرض نهى فران في “غاليري أرجوان” بيروت… دعوة لكسر دوامة الإنكسارات والانطلاق نحو بداية جديدة

 يقلم: كلود أبو شقرا

لم تستسلم الرسامة التشكيلية نهى فران  لدوامة الفراغ التي تفرضها الظروف السياسية والاجتماعبة، بل تمردت، وتسلحت بالكلمة واللون والخط لتكسر nohaالقيود وتتحرر من الدوامة، وتنظر إلى أبعد من الشفق الذي يلعب على وتر الليل والنهار، إلى عالم لا ظلم فيه ولا معاناة ولا مآسٍ ولا دماء تراق كالأنهار ولا من يحاول وقفها… عالم تعود فيه مع إطلالة أول شعاع وتنسج حكاياته من خيوط الأحلام النابعة  من شغاف قلبها النابض بالحب وبالحب وحده…  وترجمت كل ذلك في  لوحات جمعتها في معرض تحت عنوان “كش ملك” في “غاليري أرجوان” في بيروت (7 مارس- 28 منه).

 “اختلاط الواقع بين حاضر يتقاطع مع ماضٍ مقسّم كرقعة الشطرنج  لثلاث سنوات من الحراك فوق رقعة الوطن العظيم… جنود وقلاع سقطت وذاك الحصان الذي فرّ هارباً مع ألمه ودموعه. ثلاث سنوات من التنقلات بين غالب ومغلوب لم يتعب فيها اللاعبون ولكن أرهقتنا الدماء فوق  رقعة الشطرنج”، هكذا تحدد نهى فران لوحاتها التي استمدتها  من واقعها،  وهي  قراءة لمشاعر جماهير وطنها، آلام الأمهات وصرخات الثكالى والأوطان المسلوبة ، وجموع لا يهمها سوى السلطة وكراسٍ أمست نعوشاً.

 تجسدت  رؤية نهى فران  للواقع في حالة غضب وألم فوق أنهار من الكبرياء ودول هلكت وساحات غصت وبنادق زغردت فوق أفواه الحزن. حزنها خلال ثلاث سنوات هو الذي  رسمته أناملها وألوانها.noha-2-1

 في لوحة وامعتصماه حاولت، قدر المستطاع، توظيف مشاعر العار والخزي التي احتملتها الشعوب العربية  منذ 1948 إلى اليوم، هذا الاستهتار العربي بقضية شعب لم يترك لها المجال، إلا من خلال مخاطبة كبرياء الرجولة العربية، ذلك أن قدسية جسد المرأة وما تمثله في نظر الشرق، دفعها  إلى إخراجها من مكانها واضعة أمامها الرجولة العربية، علها توقظ ما قد مات في هذه الرجولة… المرأة ترجم وتسحل في ميدان التحرير في مصر، اللاجئات السوريات  يتعرضن للإذلال، والقدس والأمة العربية تُغتصبان، والجميع يقف متفرجاً كأنه يشاهد مسرحية، والحصان كسر لجامه حسرة على ضياع العزة والكرامة…

 بالخط الكوفي وورق الذهب عبرت نهى فران عن آمال الإنسان كل إنسان ومعاناته وآلامه إلى أي بلد انتمى أو عرق أو الدين، فالألم واحد والدم واحد والمرأة هي هي في كل زمان ومكان، لم تتغير، قيودها المجتمعية  تكبلها.

 جميلة هي المرأة في لوحات نهى فران، يغلف جمالها وشاح من الحزن النابع من معاناة وطن مغتصب وإنسانية مغتالة، مع ذلك  تكتب بعقلها وقلبها حكاية الخلق واستمرار الحياة، كل ذلك أطرته نهى فران بأسلوب واقعي يدمج بين التراث والحداثة…noha 1

 للروح في لوحات نهى فران المكانة الأبرز فهي تهيمن على الخطوط والألوان، تخترق ظلام الواقع وتجد في النور الذي يظلل اللوحات منفذاً لها، وفي طائر الفنيق الذي ينبثق من الرماد بداية جديدة، كذلك تخفف من ذعر ليلى المنبثقة من قصة ليلى والذئب (تبدو في إحدى اللوحات)، ليلى التي ترمز إلى المجازر  من دير ياسين إلى قانا وغيرهما… ليلى المخضب ثوبها بالدماء،  والذئب الذي اقتحم   لعبة الشطرنج، وكأن صوتاً ما يخرج من داخل اللوحة ويقول: كش ملك، شبعنا حروباً ودماراً ودماء…

 القاسم المشترك بين اللوحات هو الزخارف العربية التي ترمز إلى جماليات الحضارة العربية ، والمرأة- الرمز  في اللوحات تشبه نهى فران، تشع من عينيها نظرات حزينة، وفي  لوحة البورتريه  التي  استعملت فيها الحديد والحبل مازجة بين الواقعية والتقليد تبدو المرأة تنظر إلى البعيد البعيد متلمسة إشارة تزيح الغيوم السود عن هذه المنطقة من العالم. كذلك تتميز لوحاتها بالحركة والإضاءة  والتركيب وأنماط  عدة من الخط العربي.

  التراب وإلى التراب تعود، عبارة تتصدر إحدى  اللوحات،  تشع من حناياها دعوة إلى التلاقي والتعايش وتحيط بها دائرة من أسماء الله الحسنى وزخارف رائعة، وكأن الفنانة التشكيلية تريد أن تذكر بالرحمة والحب في التعامل بين أبناء البلد الواحد،  وأن الإنسان وسط دوامة هذا الكون هو من التراب وإلى التراب يعود.
noha-5-1

 في لوحة أنا بانتظارك مليت، رمز إلى تاريخ الأمة العربية، من سابكس بيكو إلى اجتياح لبنان سنة 1982، كوارث نتوارثها من جيل إلى جيل وسط صمت عربي مطبق، واليوم نعيش زمن الإنكسارات… لذا يبدو التراث الشرقي في  الخلفية ، وتتميز هذه اللوحة بتقنيات ما بعد الحداثة.

 مدارس عدة من سوريالية إلى الحداثة وما بعد الحداثة، تجتمع في لوحات نهى فران، فالتقنية بنظرها آداة طيعة بريشة  الفنانة وليس العكس، كل ذلك بلغة معاصرة متماشية مع التراث والبيئة والواقع.

 في المعرض لوحة زار ، وفيها ترسم نهى فران من ذاتها حدوداً ومن وجودها حكايا علها في يوم ما تخرج من هذه الدوامة إلى فجر جديد. وفي لوحة أخرى يبدو الطير مصلوباً  وتحته طيور ميتة، وهو رمز إلى الحراك العربي والثورة والتضحية التي يقوم بها أناس بهدف النحرر، وهي مشغولة بتقنية الحديد والخشب وترمز إلى السمو والتضحية. في لوحة أخرى تسلهم نهى فران مشاهدها من مدينتها صور ويبدو فيها مركب وطير النورس، إنها صورة مصغرة من الوطن، قدمت على غراره الشهداء…
noha-6-1

 الكلمة ترافق الخط واللون في لوحات  نهى فران،  وما لا تسطيع التعبير عنه بالرسم تصيغه بكلمات على وقع متناغم ينسج خيوطاً مع الصورة ويعمق معاني اللوحات ورموزها، ويلامس بألوانه القوية تارة والهادئة تارة أخرى القلب والعقل، ويحرك المشاعر الجميلة منها والحزينة، ويدعو الإنسان إلى كسر الدوامة المسجون فيها الخروج منها. من أبرز كلماتها بيت شعر مرافق للوحة “عودة الروح” جاء فيه:  قم من رمادك أيها الغرد الأنيق/ واملأ سمانا بالغناء فنستفيق/ قم من سباتك أيها الطير الفنيق/ طال الرقاد وسُدَّ عن شعبي الشروق.

كلام الصور

1- 2- 3- 4- 5- من المعرض

اترك رد