الذكرى الـ 33 لرحيل حسن صعب الدبلوماسي العامل على شدّ الأواصر  في لبنان والعالم

 

محمد ع.درويش

(مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث)

 

حسن صعب من أعلام الفكر ورائد من رواد النهضة، كان له الفضل في إطلاق تيار وطني عماده العلم وسلاحه الثقافة وهمه مواكبة العصر في بعث لبنان بعد ان كاد يمسي الوطن الموات.

وفي إطار إعلان جامعة الدول العربية بيروت عاصمة للإعلام العربي وإيمانا بالدور الثقافي في هذا الوطن وسعياً لإستعادة الدور الرائد الذي كان يتميز به لبنان. نستذكر اليوم المفكر الراحل الدكتور حسن صعب في الذكرى ال 33 لوفاته. لا بد للأجيال في ان تتعرف على مسيرة هذا الرجل وتجربته.

تقدّم «مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث» في هذا البيان بعضاً من تقدير يستحقه هو الحالم والساعي إلى مثالية في إنسان ووطن وأمة.

حسن صعب أيها الكبير في العلم والوطنية ما زال الوطن يئن من وطأة جراح الحروب.

حسن صعب ايها العقلاني المترع برحيق الانماء والمحبة لكل إنسان ولكلّ الإنسان، ما زال إنسان الوطن يزداد عطشاً وجوعاً ويفتش عن مسكن ودواء.

ذلك هو حسن صعب في ديناميكيته التي لم تهدأ على مدار حياته، هو الأزهري المستنير. الباحث في السياسة دون امتهان واحتراف، الدبلوماسي العامل على شدّ الأواصر في لبنان والعالم، والذي أعطى جزءاً كبيراً من حياته وجهده لندوة الدراسات الإنمائية في هدف سام هو إنماء الإنسان أساس الوطن والمواطنية.

حسن صعب أثره لا ينسى

عرفته والداً روحياً وأميناً عاماً لندوة الدراسات الإنمائية، وبعد احتكاكي الطويل به وتعرفي إلى العديد من خصاله وشمائله، تكوّن لديّ انطباع يوحي بأن هذا اللبناني، الذي يحمل شهادة الاجازة من الازهر وشهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج تاون في اميركا عام 1956 عاد الى لبنان حاملاً معه فكرة واحدة وهي التطور والتحديث وحين تسلم عمادة كلية الإعلام في العام 1977 التي كان استاذاً محاضراً فيها منذ العام 1969 عمد الى طرح افكاره التطويرية واول ما طرحه هو ابدال اسم الكلية لتصبح “كلية التواصل”. فالإنسان بالنسبة لحسن صعب هو كائن تواصلي ووجوده مرهون بتطور تواصليته.

الدكتور حسن صعب كان رجلاً رؤيوياً، فالإعلام بالنسبة اليه هو صناعة التقدم، وهو دعا في العام 1979 الى ملاقاة الانتقال من الصحافة الطباعية الى الصحافة الالكترونية التي ستصبح بديلة للصحيفة الطباعية المكتوبة والاذاعية والتلفزيونية هذه الصحيفة التي عرّفها حسن صعب “باللوح الإلكتروني” سيشغّل على نطاق كوني من محطة فضائية. ذلك أن التواصل الأرضي سيخلفه التواصل الفضائي.

سنوات مضت على هذه الدعوة قبل ان تصبح حقيقة عاشتها الصحافة المكتوبة مؤخراً وانتقلنا الى عصر الاعلام الفضائي والاقمار الاصطناعية التي تسيّر كل انواع الاتصال في العالم.

وهذا ما أرتآه حسن صعب لطبيعة الإنسان اليوم والذي اسماه “الانسان التلكراسي” حيث كل وسائل الانتاج هي وسائل تبادلية او تواصلية بين المنتج والموزع والمستهلك، ذلك ان تكنولوجيا التواصل الاعلامي كما اسماها، تصوغ الانسان صياغة فردية لا ككائن فردي او اجتماعي بل كوني. السنا نعيش اليوم العولمة بكافة أبعادها الإقتصادية والاجتماعية والاعلامية.

حسن صعب آمن بالعقل والحرية، واذا اعتبر ان العقل يحرر الإنسان من سلاله، آمن ايضاً ان الحرية هي الإسم الآخر للإنسان، والكمال الذاتي لا يتحقق الا من خلال الإنسان الحر.

من هذا المفهوم انطلق الدكتور حسن صعب في تجربته السياسية داعياً الى تعزيز الثقافة الإنتخابية بواسطة وسائل الاعلام وكان شعاره الحرية والكرامة والاستقلال. وقد دعا في محاضرة القاها في العام 1960 الى ابعاد القيد الطائفي عن الحياة السياسية والى ضرورة الغاء الطائفية عن قانون الإنتخاب اضافة الى دعوته الى تجديد الحياة السياسية ودعم الوجوه الجديدة.

ما طرحه حسن صعب العام 1960 نعيشه اليوم فهو الذي دعا مشاركة المرأة الفعالة في الحياة السياسية وذهب أبعد مما يطرح اليوم حول الكوتا النسائية، اذ اعتبر ان الانتخاب الصحيح هو الذي تشارك فيه المرأة مشاركة فعالة مع الرجل.

حسن صعب الذي كان يعتبر ان الحياة العامة لا تقوم إلا على أساس الحرية الفردية والوحدة الوطنية والعدالة الإجتماعية دعا الى تعزيز قيمة المواطن، فمفهوم المواطنة بالنسبة اليه هو الذي يعزز الوحدة الوطنية والمساواة بين الجميع.

وشخصية حسن صعب تجسد شخصية المواطن العربي المنشود، القادر على التوفيق بين تراث الماضي ومستجدات الحاضر، وعلى إغناء الفكر الديني برجاجة التفكير العلمي.

وكان هاجس الإنماء همه الاول والأخير، يتحدث عنه ويدعو اليه في كل محاضرة يلقيها وكان يرى في الانماء عملية تطوير لكل جوانب الحياة تشمل القيم وأساليب الانتاج والانظمة السياسية والاوضاع الاجتماعية. بل كان يعتبره ثورة عقلانية كفيلة بتفجير القوى الخلاقة والطاقات المبدعة في كل مواطن واستثمارها علمياً من أجل توفير حياة أفضل له وتقدم مطرد.

والانماء، في رأيه لايقتصر، كما يعتقد البعض على النواحي الاقتصادية والمادية، وانما يشمل كذلك عملية بناء أو إحياء حضاري. إنه ثمرة تفاعل دائم بين المادة والفكر يفضي دائماً إلى التطور والابداع الحضاري في مختلف المجالات، وكان في أبحاثه عن الانماء يستحضر حالة العرب المتردية ويؤكد أن الإنماء يعني قيام حركة في المجتمع العربي، قادرة على ان تُعيد اليه قدرته على التجدد ذاتياً وتفتح أمامه باب الابداع والتطوير. وهذا لا يتأتى إلاّ بتحرير الانسان العربي من العوز والجهل، وتحرير العقل العربي من رواسب السلفية المتحجرة التي ترفض الاجتهاد والتجديد

وكان يردد في كل مناسبة أن الإنماء هو إنماء الانسان، كل الإنسان، وان إنماء الاقطار المتخلفة لايتم إلاّ بوجود مؤسسات فيها قادرة على توفير الضمانات لإحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية، وتحرير الإرادة والأرض والتراث من التبعية أو السيطرة الأجنبية، والإسهام في مسيرة الحضارة الإنسانية، والإستفادة من إبداع الغير دون محاكاته، والإعتماد على أفضل ما في التراث دون التقوقع فيه.

حسن صعب أدرك أن رجال الفكر كأصحاب الرسالات مدعوون دائما إلى إبداء الرأي الصحيح والعمل على التغير وقلب الموازين الوطنية والتاريخية والإجتماعية حتى لو تعرضوا للموت من أجل إبلاغ رسالتهم الصادقة.

سيبقى اسم حسن صعب مرفوعاً، ومسيرة “إنماء الإنسان كل إنسان وكل الإنسان” مستمرة بفضل كل المخلصين.

الولادة والنشأة

ولد الدكتور حسن صعب 15 تشرين الأول في العام 1922 من بيروت توفي والده قبل ولاته (وحمل اسمه) عاش يتيماً في ظروف معيشية صعبة لكنه شق طريقه بنفسه معتمداً العلم سبيلاً. وقد اختاره في العام 1941 مفتي بيروت الشيخ محمد توفيق خالد مع مجموعة من الشباب من بينهم المفتي حسن خالد، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، للانتقال إلى مصر ودراسة العلوم الإسلامية ليصبحوا رجال دين، وفي القاهرة تخلى عن مسار العلوم الإسلامية والدينية واتجه إلى العلوم المدنية.

الدراسة

في القاهرة تابع دراسته وحاز في العام 1945 على الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة ومنها انتقل إلى فرنسا حيث درس الحقوق لمدة سنة لينتقل بعدها إلى جامعة جورج تاون في واشنطن حيث نال في العام 1956 شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.

السيرة المهنية

أثناء دراسته، نجح صعب في العام 1944 في اجتياز امتحان السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين حيث تنقل في عدة مناصب في الإدارة المركزية للوزارة في بيروت وفي العديد من السفارات اللبنانية في الخارج منها منصب القائم بالأعمال بالوكالة في سفارة لبنان في واشنطن بين العامين 1950- 1956، وعضو في البعثة اللبنانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1959.

وقام بالتعليم في عدد من الجامعات في لبنان والخارج، وتولى ما بين الأعوام 1972-1978 عمادة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وفي العام 1990 أصبح أستاذاً محاضراً في الجامعة الأميركية بعدما سعى للدخول إليها طالباً قبل ذلك بعقود ولكنه لم ينجح في مسعاه.

مؤلفاته

ألف عشرات الكتب وترجم عشرات أخرى، كما كتب مئات المقالات والدراسات، ومن أبرز مؤلفاته:

تحديث العقل العربي: الصادر في العام 1969، وجاء في مقدمة الكتاب “إن قضية تحديث العقل العربي هي قضيتنا الحضارية الأولى، لأنها القضية التي تتوقف عليها مواجهتنا لجميع قضايانا المصيرية مواجهة قويمة فعقلنا هو الذي يقرر مصيرنا. أننا نثق بقابلية العقل العربي لكل تقدم. ولذلك نريده أن يقبل على التحديث من بابه الواسع وليس التحديث بالضرورة مرادف للتقدم ولكنه أصبح الآن الشرط الضروري لأي تقدم أفضل منه، إن مستلزمات التحديث الأساسية هي الحرية الإنسانية، والتجريبية العلمية، والتنظيمية العقلانية والإبداعية الفكرية. إنها مستلزمات غير كافية ولكنها ضرورية لكل تقدم حقيقي فلا بد للعقل العربي أن يستسيغها وهو ينشد اللحاق بالتحضر الحديث وتجاوزه لتحضر عربي وإنساني أفضل منه”.

الإسلام وتحديات العصر حيث دعا إلى ثورة اجتهادية دائمة في الإسلام معتبراً أن الديمقراطية الحقيقية تجسيم لقيم الإسلام الروحية. وحول الإسلام يقول: “أما الإسلام فإنه فطرتي وقدري وليس هويتي لأنه في روحي، والروح لا هوية لها لكنها كما علمني القرآن الكريم هي من أمر ربي وهي تعلو أية هوية لأنها تصلني بالله تعالى، وبكل إنسان أخ لي”.

الدبلوماسي العربي: ممثل دولة أم حامل رسالة.

علم السياسية.

لبنان العقل لا لبنان العنف.

المفهوم الحديث لرجل الدولة.

إسلام الحرية لا إسلام العبودية.

انجازاته

أسس الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية في العام 1958، كما أسس ندوة الدراسات الإنمائية في العام 1964 وتولى رئاستها حتى وفاته في العام 1990، وأسس هيئة التعبئة الوطنية في العام 1967 إثر هزيمة حزيران 1967، كما انخرط في العديد من الهيئات والجمعيات العلمية والفكرية في لبنان والعالم، وكان له دور وفاعل في إدخال لبنان في العام 1985 في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو).

تزوج من الدكتورة نعمت غندور الحائزة دكتوراه في علم المكتبات ولديهما ولدان حسان ومروان.

احفاده: حسن، سامي، هديل وسيرين. وتوفي في 25 تموز 1990 .

وآخر ما كتبه: «خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق أن نكونها، وأنا أريد أن أكون، أريد أن أحيا، أريد أن أتحرك، أريد أن أخلق، أريد أن اذهب إلى تونس، لأحارب من أحارب في «الكسو» ولأسالم من أسالم. وهكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد ان اقتحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاماً، لماذا فعلت ذلك؟ لأنّ لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية».

لتكن ذكراه اليوم إلهاما لنا للنهوض بالوطن من جديد والعبور فيه نحو الخلاص الذي يستحقه اللبنانيون جميعا. وأن يتحقق التلاقي بين جميع أبنائه، لما فيه المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، وأن يعم الأمن والأمان الوطن العربي بأكمله.

 

 

اترك رد