د.هبة المل ايوب
يترددعلى آذاننا ومسامعنا مصطلح الإسقاط ، فما معناه في حياتنا الإجتماعية المعاصرة ، وما انعكاسه على مجتمعنا البشري، الإسقاط هو وسيلة دفاعية عن الذات لا واعية من قبل الشخص حيث ينسب عيوبه ونقائصه ورغباته المكبوتة لشخص آخر، مع عدم الإعتراف بأنه يعاني من النقص ، بمعنى آخر انها حيلة لاشعورية يتبعها بعض الأشخاص لإثبات ذاتهم وبأنهم مبرأون من كل عيب ، أي انها إضفاء او إلصاق سمات بالآخرين هم منزهون عنها، وغالباً ما تكون الغاية صرف نظر الآخرين عن العيب الذي يعاني منه في نفسه ، ويكره ان يذكره له الآخرون او يعلمون به .
في الواقع تشير هذه الحقائق ان ثمّة اسقاطات كثيرة تُمارس علينا أولها في محيط المجتمع الأصغر ، أي تحديداً الأسرة هنا نقصد اسقاطات الأهل وأيضاً إسقاطات الأصدقاء واسقاطات الأزواج ، فمثلاً الأم تمارس الإسقاط عند فشلها في تحقيق أهدافها فنراها تضغط على أولادها لتحقيق النجاح، وكذلك الصديق يتهم صديقه بالعدوانية وهو يعاني من دوافع العدوانية، كما والمرأة التي تنجذب لزميلها في العمل وعندما يحدثها زوجها عن زميلته في العمل تغار عليه وتتهمه بالإنجذاب الى امرأة أخرى، وكم وكم من الإسقاطات التي تمارس على الأفراد دون ان يدركوا حقيقة الأمر ودون ان يشعروا بذلك، ومن ثم يقعون في دوامة المرض النفسي والألم القاتل للروح الإنسانية واضعافها في المجتمع.
هنا نتساءل ما هي وسائل الدفاع التي من الممكن اتباعها للحماية من هذه الإسقاطات التي قد نتعرض لها دونما الإنتباه لذلك ، ولماذا لا يسعى الإنسان الى تحصين نفسه ووقايتها ضد الأفكار والمشاعر والأفعال التي تُنسب إليه وهو بريء منها ؟
في الواقع ، يبدو ان الإنسان الذي يعترف بعيوبه ونقائصه هو انسان متصالح مع ذاته ولا يلحق الضرر او الإساءة الى غيره من البشر، ولا ينزل أي إسقاط على شخص آخر، فهو يقوم بالتأمل الذاتي والنظر الى السلوك بموضوعية وبذلك يساهم في بناء ذات سوية وبناء مجتمع سوي قائم على علاقات اجتماعية واضحة وصحيحة، لكن كيف تكون البيئة التي تنتج افراداً يمارسون الإسقاط على غيرهم ؟؟
في هذا السياق تغدو الأسرة البؤرة التي تنمو من ضمنها وتخرج من كنفها اشخاصاً غير اسوياء يعانون من شعور النقص وشعور الذنب، وبالتالي هم فاقدون للقيم والمبادئ الأخلاقية وأسس التربية الصالحة ، فالتنشئة الاجتماعية السليمة هي الركيزة الرئيسية لإنتاج اشخاصاِ اسوياء.
وعليه يمارس الشخص الإسقاط من خلال الدفاع السلبي أي تأييدا لمقولة ” الهجوم خير وسيلة للدفاع” ، تباعاً الذي يجري بالتحديد هو نسج علاقات إجتماعية قائمة على النزاعات والتحديات بين الأشخاص ، فالعلاقة الاجتماعية قد تكون مستنزفة للشخصية وبالتالي تقود الى الدمار النفسي والقتل المعنوي والروحي، فالإدراك والإكتشاف هما الوسيلة لإمكانية تجنّب الآثار السلبية لهذا النوع من العلاقات الاجتماعية اي توقف الإحتكاك المباشر للوقاية من نتائجها المدمرة .
أخيرا يمكن القول، ان المجتمع الذي يتكون من اشخاص اسوياء، نراه ينهض وينمو ويتقدم، فبناء الذات يبدأ قبل بناء علاقات اجتماعية سوية كما ويبدأ قبل بناء مجتمع منتج وخلاّق . ولتأكيد خطورة الإسقاط يقول نيتشه : “لا يرغب الناس في سماع الحقيقة لأنهم لا يريدون أن تتحطّم أوهامهم” أي ان صاحب الإسقاط يعيش في وهم ، ويرفض الإعتراف بما يعتريه من صفات سلبية تقوده حتماً الى اتباع سلوكيات تعارض السلوكيات السوية في مجتمع إنساني لا يعترف بالضعفاء ومريضي الأوهام.
Hibaa79@hotmail.com