بقلم: جورج جحا (رويترز)
يطل الشاعر اللبناني المعروف محمد علي شمس الدين من خلال مجموعته “النازلون على الريح” بنضج وعراقة في المشاعر والتعبير وبلمحات يختلط فيها الصوفي بلون كأشعة الغروب.
في قصائد الشاعر رصد فني مؤثر لحركة الزمن وفعله وتقدم العمر واختمار التجارب والآلام والآمال ولسيرورة حتمية نحو نهايات حزينة للإنسان.
وقد جاءت المجموعة في 181 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الآداب في بيروت، واشتملت على نحو 70 قصيدة بعضها طويل من صفحات والآخر قصير من أبيات قليلة.
من القصائد القصيرة قصيدة بعنوان “الحلاج” الصوفي الشهير وقد قال فيها بسطرين “سمعت مرة مناديا /يصيح يا أحبتي أقتلوني.”
استهل الشاعر المجموعة بقصيدة طويلة في عنوان “آلات الفجر” وقد تبع العنوان إهداء إلى الغزالي في محنته الفكرية والمعرفية وسيطرة الحيرة عليه إلى فترة. قال محمد علي شمس الدين: “يوم الأحد الواقع فيه صمتي. إلى أبي حامد الغزالي في محنته.”
استهلّ الشاعر القصيدة بالقول: “ماذا بيدي /ماذا أفعل/ هل يومي بيدي /وغدي.. / يومياتي نافلة وقديمة / من خولني / أن افصل / بين اللحظات المعدومة / واللامعدومة / مادامت أيامي هلكى / سفني غرقى في البحر وساريتي في القاع / ماذا سيكون اذن بيدي / سيان أكنت النائم/ أم كنت الصاحي / خذلتني الرؤيا وصباحي / أفلت من كف الليل / فلا خرج من بين سيوف النوم قليلا / وأحدق في وجه الويل.
“في الجهة الشرقية من غرفة أحوالي / (حيث صنوبرة تنعق فيها الغربان)/ وفي الجهة الغربية (حيث الشطآن يعذبها سوط الموج) / أحدق بين هنا وهناك/ لأعرف سر البحر / وسر الشجرة / دق الباب / الوقت سراب / يوم الاحد الواقع تقريباً فيه صمتي / آليت باني / منتقما من هذا العالم /لن أخرج من بيتي/ فليبق الخارج في الخارج / والداخل يبقى في الداخل / وأنا بينهما أتأرجح كالمرتاب/ هل أدخل في النوم أم اليقظة… هذي كلماتي / حضرت عند الفجر/ تماماً مثل صلاة الفجر/ كنت وقفت على شرفة بيتي /من جهة الغرب وكنت سألت البحر /اذا ما كان سيسمح لي / أن اسمع صوت الموج / وأن اصغي لصراخ طيور البحر / وأنات الغرقى …”
ويختم القصيدة الطويلة بتتابع صور من الماضي والمخيلة فيقول: “… طفل يحبو / ظبيان وسيدة / وفتى مذعور القلب / بعيد مدى الرؤية يشبهني / وأنا أتقدم في زحمة أيامي / نحو الله.”
وفي “الرحلة إلى الغرب” يقول محمد علي شمس الدين في مكان من القصيدة: “قلنا المراكب التي /تغادر الضفاف / نحو الغرب / ثم لا تعود / نحو أصلها إلى القرى / كأن هذا النهر ساعد الإله/ وهو ينقل الشعوب من مقرها/ لمستقرهأ…/ أجيء في الشتاء كي أزوركمن مقرها / لمستقرها/ المكان في مكانه / و لا الزمان /على الجدار عقربان خائفان/ وساعة تدق في السكون/ دقة الوداع …”
وفي قصيدة “أبعد من غيم أيلول” يقول الشاعر: “الطيور تحلق مزهوة كالشعاع / وتنشر بهجتها في سماء الجنوب / على حافة الأفق / أيلول حرك/ فوق الشجر / قليلا من الورق الأصفر المتداعي / سقطت من شعور القمر/ خصلة في تراب الحديقة / ثم نام الذهب /على رسله في البلاد العتيقة…”
وفي قصيدة “أنام حتى يأذن النهار” يقول الشاعر: “في المنزل الذي ولدت فيه كان طائر/ يعيش مثلما نعيش في أمان / ورثه أبي عن جده / عن جد جده عن (الحبيب) مثلما يقول / وحينما سألته عن سر هذا الطائر الغريب / كيف عاش هذه القرون / أجاب أن سره في صمته…”
وفي مجموعة قصائد صغيرة أوردها تحت عنوان عام هو “مجاز”، وفي “مجاز1” منها يقول: “كأنما الوجود واضح / كحبة المطر/ وقاطع كالسيف أو كالحق / فهذه الرياح لا تبكي على أحد / وهذه الغيوم لا تحنو على القتيل / وكل ما في الأمر أننا / نريد ما نقول / ولا نقول ما نريد.”
وفي “مجاز2” يقول: “…حينما جلا الغبار عن جبينه / عرفته / وكنت قد طردته / لكي أعيش وحدتي كما أشاء / وها هو الغريب عاد كي يرد لي
أمانتي / وكي يعيدني إلى الرصيف هائما مشردا / رأيته / رأيته غدا / يدور وحده بلا صديق / وكنت مثله / أدور وحدي هائماً على الطريق/ وبيننا يقول عندليب الدار/ غرائب الأشعار.”
وفي “مجاز4” يقول : “نعيش غربتين :غربة المجاز حينما يضيع في الحقيقة / وغربة الحقيقة التي تضيع في المجاز/ كأنما الإعجاز أن تظل صامتا / وأن يدير ملكك الخدم.”
كلام الصور
1- غلاف الكتاب
2- الشاعر محمد علي شمس الدين
.