بقلم: جورج جحا (رويترز)
يقول الباحث اللبناني ميشال جحا في مقدمة لإعادة نشره المناظرة التي جرت قبل أكثر من قرن بين الإمام محمد عبده والكاتب اللبناني المولد فرح انطون إنها كانت مثالا ضرورياً لنا اليوم في الرقي الفكري والتسامح الديني.
يضيف الدكتور جحا في مقدمة الطبعة الأخيرة للكتاب الذي ضم المناظرة بين “الاستاذ” الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وفرح انطون صاحب مجلة “الجامعة” التي تأسست في الاسكندرية سنة 1899: “جئنا نعيد نشر هذه المناظرات الست لما لها من فائدة بعد مرور 110 سنوات على نشرها لأن الفكر الحر يجب أن يكون له مركز الصدارة في تطور ورقي أي مجتمع.”
يشير إلى أن المناظرات جرت في جو من الحوار الحر تناول الإسلام والمسيحية “بينما بات تناول مثل هذا الموضوع اليوم يعد ‘تابو’ .. أي من المحرمات والمحظورات.”
الكتاب الذي جاء في 260 صفحة متوسطة القطع حمل عنوان “المناظرة الدينية بين الشيخ محمد عبده وفرح انطون” … تقديم الدكتور ميشال جحا وصدر عن دار بيسان للنشر والتوزيع في بيروت.
تبين محتويات الكتاب مراحل الأخذ والرد بين الاثنين إذ جاءت على الصورة التالية: “مقدمة. الشيخ محمد عبده 1849-1905 مفتي الديار المصرية. وداع. فرح انطون 1874 -1924. المناظرة بين فرح انطون والشيخ محمد عبده. 1. رد الأستاذ الأول .جواب الجامعة الأول. 2. رد الأستاذ الثاني. تمهيد للجامعة. جواب الجامعة الثاني. 3. رد الأستاذ الثالث والرابع والخامس. جواب الجامعة على ما تقدم .رد الأستاذ الأخير. جواب الجامعة الأخير. خاتمة الأجوبة.”
يقول الباحث: “ولأن الحوار بين الأديان هو الخلاص، والفصل بين الدين والسياسة هو المطلوب للتطور والرقي والسير في ركاب العصر، جئنا نعيد نشر المناظرات التي جرت بين الشيخ محمد عبده وفرح انطون لنستفيد منها اليوم ونوظفها في خدمة الناس والبشرية جمعاء.”
يضيف: “ولئن كانت هذه المناظرات قد أعيد نشرها منذ أكثر من ربع قرن، فإن نشرها اليوم والعالم العربي يعيش في فترة حرجة من تاريخه بعد الثورات التي خطفتها أحزاب أصولية أخذت تأكل ذاتها، هو حاجة ماسة للنظر في واقعه المزري الذي يتخبط في انتفاضات وحروب مدمرة أنهكته، ولطرح موضوع الدين بحرية بعد أن أصبحت التيارات الدينية الأصولية المتشددة تتحكم بمصير هذه الثورات.”
وفي فصل خصص للحديث عن الإمام محمدعبده وصفه المؤلف بأنه واحد من “أبرز المجددين في الفقه الاسلامي في العصر الحديث وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة. وقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لقرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر وبعث الروح الوطنية وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات المتسارعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.”
وفي مجال تلخيص بعض آرائه نقل عنه أقوالا عن أهدافه ومنها: “تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه.”
كذلك تحدث الإمام عن “إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير سواء كان في المخاطبات الرسمية بين دواوين الحكومة ومصالحها، أو فيما تنشره الجرائد على العامة منشأ أو مترجماً من لغات أخرى أو في المراسلات بين الناس… وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعاً في عمى عنه… وذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة…”
وفي فصل عن المناظرة بين الاثنين أورد بعض النقاط التي دارت حولها المحاورة، ومنها مثلا دعوة فرح أنطون إلى “إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد، وأن غرض الأديان تعليم الناس عبادة الله وحثهم على الفضائل وإصلاح شؤونهم بالطرق المذكورة، وأما غرض الحكومات فهو حفظ الأمن بين الناس وحفظ حرية كل شخص ضمن دائرة الدستور. أما الأديان فلها مبادىء مقررة يجب الإيمان بها وهي تؤمن بأن الحقيقة عندها مطلقة ولا حقيقة بعد حقيقتها.”
ومنها أيضا قوله: “ليس من شأن السلطة الدينية التدخل في الشؤون الدنيوية لأن مهمة الأديان تدبير الحياة الآخرة وليس الحياة الدنيا.”
وقال إن الجمع بين السلطتين المدنية والدينية يؤدي إلى ضعف الأمة وتحدث عن “استحالة الوحدة الدينية وهذا أمر من أهم الأمور وهو أكبر الأسباب التي أدت إلى الفتن والاضطرابات في الإسلام والمسيحية.”
ودعا الإمام محمد عبده إلى عدم الفصل بين الدين والسلطة، وقال في هذا المجال “إن الملك الحاكم لا يمكنه أن يتجرد من دينه مع وجود الفصل بين السلطتين… إن الاجسام التي يديرها الحاكم هي الأجسام نفسها التي تسكنها الأرواح التي يديرها رجال الدين فكيف يمكن الفصل؟”