د. هبة مل أيوب
السجن هو المال الذي يؤول إليه كل ثائر ومتمرد على القوانين القضائية والشرعية، بمعنى آخر ثمّة قوانين وأحكام أرضية ومن يخرج عن سياقها يزجّ في السجن ، هو ذلك المكان الذي يجمع تحت سقفه كل المجرمين والمحكومين ، ويسود فيه أنظمة من قبل الحراس حراس الأمن والذين يسهرون على تسيير الأمور بالشكل الذي يحدده المأمور، أي ان السجن هو مكان تتنافى عنه حرية الإنسان، ويبقى اسيرا محجوزا عن ممارسة كل نشاطاته بحرية .
هنا نتساءل كيف هو وضع السجون اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية؟ اين هي حقوق الإنسان ولماذا كل هذا الإختلاف بين سجون البلاد العربية وسجون بلاد الغرب، لماذا يتم تحقيق إنسانية الإنسان داخل السجن في البلاد الغربية، بينما السجون العربية لا قيمة للإنسان ولاقيمة لإنسانيته، جلّ ما يمكن القيام به هو تأمين الحاجات المادية، دون الاهتمام للحاجات الروحية، تلك التي تعلو بالإنسان وتجعله شخصا سويا، أي يمكن القول ان تلبية الحاجات الروحية ،هي التي من الممكن ان تضعه على الطريق الصحيح ،والسكّة الآخذة نحو التغيير والتطور، أي تقوية قدرته على الإيمان بنفسه على انه قادر على التغيير والمضي قدما.
ويبقى السؤال، هل يحظى السجين بالحدّ الأدنى من الحقوق الإنسانية ام تتم معاملته كإنسان فاقد الأهلية؟
تؤكد احد الصحف في محادثة مع السجين محمد ، 26 عاماً، في سجن زحلة المركزي، أن الدولة اللبنانية لا تزال ترسل الطعام إلى السجن، “ولكن أي طعام، أقسم أن الدجاج والكلاب قد لا يأكلون هذا الطعام لشدة ما هو مقرف، كتل مجبولة من الحبوب والبرغل لا طعم ولا رائحة ولا شكل، تذهب بمعظمها في نهاية اليوم إلى النفايات ولا يأكل منها إلا من تقطعت به سبل تأمين الطعام من داخل السجن، يأكل منها كي لا يموت جوعاً”.
هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه السجين، على الرغم من أنه فاقد للحرية، أي ان حالته النفسية مأزومة للغاية، هذا ناهيك عن حالات المرض، وإمكانية الحصول على الإستشفاء والدواء، أي الخدمات الضرورية لإستمرار الإنسان على قيد الحياة ، وشعوره بأنه حي، وليس مضطرا لكي يقاوم أسباب الموت البطيء، للنجاة من هذه المعمورة التي يتقاذفها الإنسان يوميا، لما تحمل معها من معاني مشوهة لسبل العيش بكرامة ، كل هذا نتيجة ما أقدم عليه من أعمال منافية للقيم الأخلاقية من قتل وسرقة وتعدي وغيرها
لا بد من المقاربة والمحاكاة بين مجتمع السجون، والمجتمع الإنساني، كل منهم مجتمع قائم بحدّ ذاته، ولكن مجتمع السجون يتعامل مع ما يُفرض عليه من شروط الحياة، مقيد الحركة ،منزوع الإرادة ،غير قادر على تغيير واقعه الذي يعيشه ، إلا أن أحيانا نلاحظ قيام السجناء على التمرد داخل السجون والثورة والإضرب عن الطعام احياناً ، على عكس الفرد الحرّ الغير مقيّد بقيود او مفروض عليه حواجز تعيقه من الوصول الى ما يرنو إليه، يحيا بروحه وايمانه المطلق ويتوق للوصول الى طموحه ، أي إنه انسان سوي لم يرتكب مخالفات، قاده عقله الى طريق الحق ،ولم تسوّل له نفسه بالتمرّد على القوانين القضائية ، أي سار في طريق النور ولم يرتكب أي مخالفات تجعله اسيرا لهواه وشهواته الدونية .
يولد الإنسان ولديه كامل الحرية بأن يختار الطريق الذي سيسلكه، على الرغم من تأثير التربية والتنشئة، التي ينشأ عليها، لكن خصّنا الله بالعقل ليميّزنا عن باقي المخلوقات، أي نعمّنا وأكرمنا ومهما كانت المغريات والبيئة التي يحيا بها الإنسان، فإن ذلك لا يدفعه لإرتكاب المخالفات القانونية، وإن ارتكبها فهو سيتحمل نتيجة اعماله التي ستوقعه حتماً في الندم والحسرة. بين هذا وذاك يبقى الإنسان سجين أفكاره، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان انما بالكرامة ايضاً، أي الفاقد الحرية هو بمثابة الفاقد الكرامة فالحرية هي اسمى ما يملكه الإنسان على الأرض.
أخيراً يمكن القول، ان الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد لم تترك مؤسسة اجتماعية سالمة ، والسجون واحدة منها، أي ان الواقع أسوأ مما يتخيّله انسان، فقلّة الأموال في السجون لتأمين حدّ ادنى من مستوى معيشي لائق، هي كفيلة بأن يشعر السجين بإنسانيته وتساعده على اكتشاف اخطائه ، والتي تبعث فيه الأمل للتطور نحو الأفضل، وتهديه وترشده الى سبل الرشاد، أي ان الضائقة الاقتصادية احكمت على السجين العيش ضمن سجن فوق سجنه، أي باتت الحياة اشبه بإنسان مكبّل بسلاسل حديدية، لا يقوَ على الحراك، انما ينتظر ملاك الموت علّه يكون الخلاص من العذاب النفسي والروحي.