هذه الكلمات أكتبها إليك
أنت مَن ليس له عنوان
لكنّك تعرف العناوين والأصوات كلّها
وتطرق على بابي كلّ مساء
لتعطيني خبزاً من يديك…
يا أبي وأمّي وإخوتي
وكلّ الأمس واليوم…
أنا لا أجرؤ على النظر إلى عينيك
وأخاف أن أتحدّث إليك بكلمة
فأفقد اللحظة التي فيها أتأمّل
بما صنعتَه لي…
وعندما أحمل غلّتي إلى السوق
أشعر بأنّك تحملها معي
وتهمس للناس أن يأتوا إليّ
فيفرحوا معي بالحصاد الجميل…
يسألونني عن الثوب الذي أرتديه
فأقول إنّه ليس لي
وعن البيت الذي أسكنه
فأقول: وجدتُه بالصدفة على الطريق
فدخلتُ إليه
وكان غيري يسكن فيه
منذ زمن بعيد…
وغداً عندما أغادره إلى مسكن آخر
ستظلّ روحي هائمة فيه
كما طائر يغرّد…
كما ضوء يبحث عن نجمة فارقته…
كما موجة غريبة تريد أن تعرف
من أين جاءت
وإلى أين ستصير…
أوصيتني أيّها الحبيب
بأن لا أخاف من العتمة
لأنّ سراجك معلّق في الأفق
هناك حيث مراكب الرحيل
لا تتعب
ولا تحطّمها الرياح العاتية…
وقد يتركني كثيرون
ويمضون إلى ذواتهم
لكنّك وحدك لا تتركني…
وقد يهجرني من أحببتهم
ويهملون صورتي
على جدار الذكريات
غير أنّ صورتي في قلبك ولا تهملها
بل تنظر إليها كلّ يوم
نظرة أرقّ من الغيوم البيضاء…
فكيف لي أن أحزن
وأنت تعرفني أكثر ممّا أعرف نفسي
ولا تنكرني يوماً؟
تأمّلاتي هذه ما كنتُ تأمّلتُها
لو لم تكن أنت من قبل الدهور…
وكلّ كلمة كتبتُها
أنت علّمتني كيف أكتبها
أيّها المعلّم الأوحد
يا نوراً من نور
ويا فضيلة ما بعدها فضيلة…
يا قيمة الحياة…
يا حديقة من عطر
أغتبطُ كلّما دخلت إليها…
وأنا وأنت لن يترك أحدنا الآخر
فرحلتنا طويلة طويلة
وزورقنا يشقّ المحيط العظيم…
أنا أغنّي فيه كطفل عاشق
وأنت تقوده إلى ميناء السلام….
لك من روحي كلّ السلام!
***
*هذا النص من ضمن 30 نصّاً من الشعر المنثور “نثر أو شعر”، ينشرها الأديب الدكتور جميل الدويهي على صفحته على فيسبوك.
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع