محمد علي شمس الدين… “تلك الأسطورة”

 

 ميراي شحاده

 

جئته، لا أملك من أمسي إلّا حكايا غربتي وأرجوحةً نصبتها كي أصل للشمس

لعلّ الأحلام تزهر في الكأس، لعلّني أُسكت بعضاً من عويل جمري!

جئته أنزِف وفي رحمي طفلٌ وفي راحتيَّ أبراجٌ من الشّعر، كيف لي يا ربّي أن أخبرَه عن أبي العتيق جدّاً، من غاب في ثنايا الدهرِ.

إليه حمَلتُ كلّ فراغات السنين وأعيادَ الريح الهازجة في القوارير… جئت أقتفي صياح الديك في صباحاته لأعرِفَ سرَّ الصوت كي ينجوَ أبي الراحلُ من غيابه المدلهم…جئته أسفك بحبره دماء الشياطين وما اعوجّ في الأقداح من خمر وما نبت على الدرب من شوك. جئته كي أبقى ويبقى عبدالله شحاده في مئذنة الشمس يصدح للعشقِ، للإله في داخلنا! جئته كي أبقى، ونبقى معاً…فارتحل إليه في ارتعاشات أيلولْ وصرخة القمح في البيادر!

أقول إنّهما الآن يتسامران بين مستفعلن وفعولن ونهديّ قصيدة رضابَ الشعر يرتشفان! أقول إنّهما خلف أسلاك الشك يقرعان أجراس السماء.. فلا جمعة ولا أحد ولا مجازرَ باسم الدين هنا وهناك …يخبره عن القدس، وأطفالُ الحجارة قد كبروا تحت التراب وبعض مزاميرهم أورقت في السّحاب ودير ياسين تكاثرت حجارتُه وصار أديرة مشرّدة في كلّ مكان! يخبره عن تجّار الهيكل وأوثان الألفيّة الثالثة كيف يختالون في عروشهم وذئابُهم تنهش البحر والرمل وتغيّر مجرى النّهر وتزوّر التاريخ

والعقاربُ تنوحُ في الساعات والله متأخّر عن المواعيد مع الأبرياء!

 

ربّما يدعوان إلى مأدبة عصيان يناصرهما فيها جميعُ الأنبياء، يبسملون باسم الشعر، يحتفون بجميع الشعراء….

ربّما يفتحان من الفوق لنا شبابيك الضياء فإن وثب زناة الإنسانيّة لينبشوا أحشاء التّراب ويعبثوا بأكفان الشعراء سترتفع آبار العطور وتضوع قوافيهم بين الأرض والسماء.

ربّما وصالُ الجذور من بيت ياحون إلى الكورة الخضراء، ينحَت في الثرى أقبية للأعالي، زرقاء بصفاء عينيك يا شمس وخضراء بلون الزيت في قرابين الشعراء.

جئتك اليوم والجمرة في القلب تضاعفت، وهي اثنتان: واحدة تبكي وجيه فانوس والثانية لك يا شمس وكلاكما للضوء وضوءٌ وللإنسان عنوان!

لم أكن أدري أن من هذا المِدرج ستقلعُ إلى الغيم مراكبكما.

جئتك اليوم من منتدى شاعر الكورة الخضراء أزرع على ضريحك شكراً، وعرفانا، أضفّرك بالغار: وقفنا معاً في السابع والعشرين من أيّار المنصرم، في تحيّة وفاء لعبدالله. أخذت بيدي الصغيرة يا كبيرا من كبار الشعراء، أغثت حنيني لأبي، أنا طفلته المعلّقة دائماً في الهواء. كنتُ لا أدري كيف سأتسلّل إليك وأخبرُك عن أنين الطواحين في المساء…وأنت من يؤمن أنّ الشعر هو الغصن الأخضر للحياة!

أخلد بسلام هنا وطف في الهناك فنحن على موعد في ساحات الموج وعناق الريح ولمع البرق وزمجرة الرعد يا أميرال الشعراء…

 

علمتم يا أحبّة، لمَ

محمد علي شمس الدين، كان بينكم ولكم الشمس وكان لي تلك الأسطورة.

مرحى بكم أحبّة وأصدقاء، شاعرات وشعراء، أصحاب فكر ورؤيا، في هذا المهرجان التكريميّ للأسطورة شمس، الشاعر العربي الكبير الدكتور محمد علي شمس الدين.

***

*كلمة الافتتاح لـ “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” في الحفل التكريميّ الذي نظمه برعاية وزارة الثقافة اللبنانية “للأسطورة شمس” الشّاعر الدّكتور محمّد علي شمس الدّين (1942-2022)، لمناسبة مرور أربعين يومًا على وفاته، في قصر اليونسكو في بيروت في 20 تشرين الأول 2022.

 

 

 

اترك رد