الشاعر حبيب يونس
أسعد الله زَقزقاتِ وفائِكم
من بشامون إلى كوسبا وبينهما عيتات.
ليس غريبًا على الأستاذ عصمت حسان، أن يكرِّمَ، فيُكرَّم. وليس مستغربًا أن تكونَ ميراي عبدالله شحادة… زيتونةَ الملتقى.
كلمتي قصَّة قصيرة، وتقديرٌ وعبرة… ثم قصيدةُ ختام.
أبي الشَّاعر الزجلي، بعدما هجرَ المنبر، وجمعَ أوراقه في صحَّارتين وُضعتا على شرفةِ المنزل في مكانٍ يقيهما الهواءَ والغبارَ والمطر، كان يُمضي أمسياتِه، بعد عودته من عمله، متابعًا برامج التلفزيون. سألتُه مرَّة أن يرتِّب تلك الأوراق، ليطبعَ ديوانًا منها، يبقي اسمَه بعد رحيله، في ذاكرة الشِّعر والمنابر.
استجاب رغبتي. وحين مرِض، وقبلَ يدنو أجلُه، سألتُه أين وضع الدَّفاترَ التي نسخ عليها قصائدَ ديوانِه المنتظر. دلِّني إلى مكانها، فتولَّيت، من فوري العمل على إصدارِ ذاك الدِّيوان “كلن يومين”، في عشَرة أيام. وكان كتابٌ كذَّب توقعاتِ الأطباءِ، فعاش أبي ستَّة أشهر أكثر مما توقعوا.
أليس ما فعتله المهندسة ميراي عبدالله شحادة، بإرث أبيها الذي فارقها صغيرةً، عبرةً تستحقُّ التَّقدير، لكلِّ فرد منَّا، وفي كلِّ بيت يخبِّئ في قبوٍ أو على شرفة، أو بين حوائج “تَتخيتة”، إرثًا مماثلًا. بالله عليكم، فتِّشوا هناك، تجدوا ربما كوراتٍ خضرًا، وتكونوا ميراي أخرى تعيد الحياة إلى غيابات طالت.
لم تكتفِ ميراي بإرث شاعر الكورة الخضراء، بل تنكبت همَّ آخرين، تشجيعًا ونشرًا، لتقول: “مغبوطٌ هو العطاءُ أكثرُ من الأخذ”. أعطت كثيرًا، فأخذت منَّا كل التقدير والمحبة.
لمناسبة تكريمها، أقول في عبدالله شحادة وفيها، ما أعدُّه يليق بهما، وبهذه الأمسية العصمتية:
فِي الْكُورَةِ الْخَضْرَاءِ زَيْتُونَةٌ
مَرَّ بِهَا النَّسِيمُ كَيْ يَنْحَنِي
مِنْ زَمَنٍ تَمَوْسَمَتْ شَاعِرًا
عَلَى كِتَابِهِ… الْحِصَادُ جُنِي
مَيْرُونُهُ أَحْيَا، بِصَمْتٍ، غَدًا
مُعَمَّدًا بِاللِّسْنِ وَالْحُسُنِ
بِزَيْتِهِ طَابَتْ مَوَائِدُنَا
وَمَا سِوَى طَعْمِ الرَّغِيفِ هَنِي
وَلِبَخُورِهِ جَثَا عَبَقٌ
وَكُلَّمَا يَسْمُو بِنَا نَغْتَنِي.
ذَا الشَّاعِرُ اسْتَفَاقَ مِنْ رَقْدَةٍ
عَلَى يَدَيْنِ، جَوْهَرِ الْوَطَنِ
صَبِيَّةٌ شَالَتْ بِهِ، خَافِقًا
فُؤَادُهَا بِالشَّوْقِ وَالشَّجَنِ
طَافَتْ بِهِ الدُّنَى كَأَنْ رَايَةٌ
“أَبِي هُنَا حَيٌّ وَلَمْ نَخُنِ
لَا كُورَةً خَضْرَاءَ، لَا أَدَبًا،
لَا قَلَمًا، لَا دَفْأَةَ الْوُكُنِ.
بَاقٍ هُنَا، كِتَابُهُ نَبْضُهُ
وَوَجْهُهُ أَشْرِعَةُ السُّفُنِ
وَمَا الْبِحَارُ غَيْرُ مَوْجٍ يَشِي
بِمَا أَرَاحَ عَنْهُ مِنْ مُزُنِ
عَيْنَاهُ قِنْدِيلٌ وَقَدْ مَحَتَا
عَتَمَةَ الضِّيَاعِ وَالْمُدُنِ
وَصَوْتُهُ عَاصِفَةٌ زَلْزَلَتْ
خَوَاطِرًا فِي خَاطِرِ الْغُصُنِ،
وَيَدُهُ ظِلٌّ لِزَيْتُونَةٍ
تَفَيَّأَتْهَا الشَّمْسُ، فِي الْعَلَنِ.
صَبِيَّةٌ مِنْ دَمِهِ وَاسْمِهِ
مُذْ مَزَقَتْ إِغْفَاءَةَ الْكَفَنِ
نَادَتْهُ: “عَبْدَاللهِ قُمْ، بَيْنَنَا
أَنْتَ هُنَا كُنْتَ، وَلَمْ نَكُنِ
وَنَحْنُ مَا إِلَّا هُنَاكَ نَعِي
أَنْ مَجْدُكَ الْغَابِرُ فِينَا بُنِي
إِلَيْكَ نَغَدُوْ، حَرْفُكَ الزَّادُ، قُلْ
“مِحْبَرَتِي الْعَطَاءُ”… نَخْتَزِنِ
مِنْكَ الْخَوَابِي سَاجِدَاتٍ تُقًى
صَلَاتُهُنَّ طِلْبَةُ الْمُؤْمِنِ
مِنْكَ الْمَعَانِي دَافِقَاتٍ، وَمَا
نَهْرٌ جَرَى بِغَيْرِهِنَّ عُنِي
مِنْكَ الْأَمَانِي عَائِدَاتٍ إِلَى
زَيْتُونِكَ الْمُخْضَرِّ وَاللَّدِنِ
مِنْكَ الْقَوَافِي، زَيْتَ أَزْمِنَةٍ
فَاحْلَوْلِ وَاخْضَوْضِرْ أَيَا زَمَنِي.
أَبِي تَعَالَ… مِنْكَ أَرْجُو: عَسَى
فَارْجُ أُبَيَّ، مَا تَشَاءُ، مِنِي.
شكرًا لعصمت النبيِّ، تكريمَه المباركَ قصفةَ الزَّيتون الكورانيَّة.
***
*كلمة الشاعر حبيب يونس في تكريم ميراي عبدالله شحاده في منتدى شواطئ الأدب، عيتات، 10– 10- 2022