مسافات: رحلة التشكيل الفني بعيدًا عن عالم الهندسة

 

  منيرة مصباح 

 

جاء لقائي الاول باعمال الفنان عزيز عمورة من خلال ديوان شعر  تضمن مجموعة من اللوحات جعلتني أبحث عن اعماله الأخرى وعن المعارض التي أقامها وعن تاريخه الفني واساليبه التقنية في التشكيل والطباعة الخاصة به. فما بين الشعر وبين الرسم ما اراه بين لون السماء وتلون البحر، انها الرؤية التي أدخلتني الى عالم هذا الفنان. وبعدها بدأت أتابع أعماله حيث تكثف الاحساس بقيمة التشكيل لديه، ذلك الذي يدخل الكتابة جنبا الى جنب مع الفنون الاخرى. انه عالم داخلي خاص بالفنان، تسكنه كيانات فريدة وجوهها منتصبة احيانا واحيانا اخرى تدخل حالة دائرية توحي بألم دفين داخل اللوحة، كأنها تخاطبك بوضوح ودون تعقيد بلغة مليئة بالغنى والعطاء.

ما هو سر هذه التشكيلات الانسانية التي لا تدخلنا عالم الهندسة انما تسكب في الروح خلاصة التناسق والانسجام؟ ربما يكمن السر في العمل قبل ان يتجسد بالخط واللون، اشكالا وكتلا ومساحات، ترتفع في الفضاء بانحناءات دائرية دون اعتبار للحدود الحادة المتوازية، حيث نرى خطوط الانشطار على مساحات اللوحة احيانا بلغة تراثية مرتبطة بالواقع تدفعنا للتحليق، فنعيش في علاقاتها المنسجمة، كتقاسيم موسيقية تداعب الوجدان ليبرز داخلها فعل الخلق التشكيلي الذي يدخل البصر ليريح العين بعلاقات التركيبات المختلفة، فالخطوط متهادية مائلة تحاكي الاحساس، فنشعر بحاجتنا للمس المسطح الذي تحلق فيه الكتلة المجسدة داخل الفكرة .

ان الفنان عزيز عمورة في تجربته الابداعية يعيش حالة من البحث الدائم والمستمر من افق واضح لخصوصيته المرتبطة بالجذور وبالواقع المعاش، فادواته الفنية التي تحقق تلك الخصوصية وتفردها في التعبير، تحمل رموزها الخاصة داخل كل عمل وتعطيه الجانب المختلف في الفن. ففي مجموعة من لوحاته “الحجارة تنفجر هناك”، جاءت الخطوط والالوان تجريدية منسرحة مستمدة من عالم واقعي ، حيث دخلت الرمزية التراثية بشكل تبسيطي طغى عليه المعاصر بطريقة فنية مميزة، فالدائرة بمجملها تدل على الألم والحصار في أرض يئنّفيها الانسان لكنه يقاوم كالشمس في حقيقتها التي لا تغيب الا لتشرق مرة اخرى.

ان كثافة المعاناة الذاتية في اعمال عزيز عمورة لا تنفصل عن معاناة الانسان بشكل عام، كما ان الفنان يؤكد على ان الكتابة التشكيلية ما هي الا رموز نفسية واشارات ضرورية  نابعة من استنباط الفكر ليدخل معها حالة التجريد الفني بالواقع.

اقام الفنان العديد من المعارض الشخصية مابين عمان وقبرص وتركيا والكويت ونيويورك وحازعلى العديد من الجوائز.

من مواليد حيفا فلسطين 1944

حاصل على بكالوريوس فنون جميلة من أكاديمية الفنون في بغداد 1970

ماجستير من معهد “برات” في نيويورك الولايات المتحدة الامريكية 1983

أستاذ محاضر في الجامعة الأردنية عام 1996 .

توفي في حزيران 2018

 

  علياء عمورة

أما علياء وهي الزوجة التي نهلت من فنه وخبرته، ففي اعمالهانرى الرائع هو الوحدة بين الفكرة والصورة، تلك الوحدة التي تعني الشكل الفني الذي يظهر من خلالاللون. فاعمالها لا تعبر عن الفكرة بمفاهيم مجردة، بل من خلال وقائع حية تسعى الفنانة من خلالها لخلق فني، ولادراك جمالي يشكل الهدف من الوحدة بين الفكرة والصورة. وما تردده الفنانة في لوحاتها هو درس العشق الذي توغل فيها مع اول دمعة اطلقتها بعد تشردها من وطنها، الى ان وصلت الى القدرة على البلاغة التشكيلية باجراء حوار بين الخطوط والالوان. لقد دخلت الفنانة علياء عمورة تجربتها الفنية الاخيرة من خلال ارتكازها على مرحلتين فنيتين عمقت فيهما اسلوبها وتقنيتها في استخدام الالوان للتعبير عن مكنونات نفسها التي تضرب جذورها في الماضي السحيق، فتتذكر خروجها من فلسطين ومن يافا بالذات باتجاه لبنان وهي في سن الثالثة من العمر، ولتحمل هذه الذكريات معها اينما حلت ولتظهر من خلال اعمالها الفنية الحديثة التي تتناول فيها البيئة الفلسطينية والتراث الفلسطيني الذي رعته بريشتها ويدها وذاكرتها رغم انسلاخها الجسدي عن الوطن.

في وجدان علياء كان الوطن حيّا بكل تفاصيله الريفية والمدنية، حيث تبدو اعمالها المائية البالغة الشفافية كأنها خارجة من تراب الارض ومن مدينة القدس باحلامها التاريخية والحاضرة .

بدأت الفنان علياء حياتها بكتابة الشعر، وتحولت للرسم بعد ان تزوجت الفنان عزيز عمورة الذي شجعها بعد ان وجد لديها الحس اللوني والقدرة على التشكيل والهدوء المشحون بطاقةتمس شغاف القلب. ثم استطاعت الفنانة ان تخط لنفسها اتجاها خاصا بها، بدأته بالتجريد ثم تحولت الى المدرسة التاثيرية، حيث كانت الشجرة هي الرمز الرئيسي في اعمالها وهي محور للمرأة بكل عطاءاتها وخصوبتها.

هكذا كبرت اعمال علياء لتزداد تجاربها شاعرية في غوصها المرهف وراء حركة الفصول وتنويعات ايقاعات الطبيعة وعلاقة الانسان بها، فجاءت اعمالها المائية لتتناول فيها المواضيع الانسانية الواقعية، المستوحاة من البيئة، فالمدن والقرى فوق اللوحة هي احساس بالتاريخ والحضارة ومنها تنطلق الوانها بشفافية في السفر الثالث من رحلتها الفنية، فهي ارادت ان تحمل شيئا غير الدمع انه حلمها بالاشياء الكبيرة، بما سوف يكون وبما يمكن ان يكون، هذا الحلم الذي اعاد الى ذاكرتها تفاصيل الوطنفي العمل الفني، فاسرعت خطوها دون خوف الى حضن الاشياء الصعبة، الى حضن الفن. ولم يكن اختيار علياء صعبا لانها عرفت ماذا تريد من اختراق عتمة الواقع للوصول الى هاجسها في النور.

اما المرأة في اعمالها فهي تلك التي توحي باهميتها كعامل رئيسي في الحياة، انها المرأة الشرقية التي ترتدي الزي الشعبي الاصيل وتتحلى بجمالها المتوج بالزخارف والتطريز. ان الانسان في اعمال علياء المائية هو المحور الاساسي للموضوع، حيث تتناوله بحالاته المختلفة وعلاقته مع الطبيعة وانتمائه للارض والوطن الذي يمتد عميقا في جذورها، ليظهر بالثوب التراثي، او من خلال بيوت وقباب مدينة القدس، كل ذلك باسلوب خاص امتاز بالرقة والشفافية التي تنساب من بين الالوان بغنائية وشاعرية منحت لوحاتها ابعادا مفعمة بالهدوء والبساطة.

علياء الشنطي عمورة من مواليد يافا فلسطين 1943

شاركت في العديد من المعارض الفنية في الأردن وتركيا وغيرها

توفيت عام  1999.

 

اترك رد