الكاتب والأديب/ عبدالله مهدي
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث وله اجتهادات نقدية)
أدرك الفنان المصرى القديم ، لغة السينما ، من خلال تطبيقه المبدع ، لفنون التصوير ، فى العديد من المناظر ، على الٱثار المصرية القديمة ، واحساس المصرى القديم بالزمن ، وتكوين الكادر السينمائى ، وإدراكه الكامل ، لمنهج بصرى يعطى القدرة على التتابع ، ورصد تطور الأحداث ، حتى تكتمل الرؤية ، أو الرسالة الفنية ، التى أراد الفنان المصرى القديم إرسالها ، عبر تصويره لهذه اللقطات السينمائية الرائعة ، وذلك قبل معرفة واختراع فن السينما بٱلاف السنين..
فالٱثار المصرية بانوراما بصرية لافتة ، حيث تصف المشاهد المصورة عليها العديد من اللقطات الفنية المبدعة ، التى تعبر عن لحظات ومشاهد مهمة من حياة المصريين القدماء ، وفقا لتسلسل وبناء درامى متماسك ولافت على نحو :–
لوحة ” حصر الماشية ” على جدار قبر رجل اسمه ” ميكتر ” كان رئيس بلدية طيبة فى عام ٢٠٠٠ ق.م ، وتكشف تلك اللوحة عن عملية حصر الماشية ، بأن يتم تمريرها أمام رئيس البلدية وكبار موظفيه وكتبته ، وبعد الحصر ، تحفظ البيانات ، لتستخدم كسجلات للضرائب … يظهر راعى يسوق الماشية بالعصا ، وكاتب معه لوحه …
مشهد سينمائى متكامل كل شخص فيه ، يؤدى دوره بانضباط ، ويخلص المشهد إلى هدفه وهو حصر الماشية وتسجيلها .
لوحة جدارية بإحدى المقابر ، ويصور مجموعة من الراقصات ، وفرقة موسيقية من السيدات يعزفن وينشدن بأنشودة تمدح الطبيعة ، وراقصات يتمايلن على إيقاع الموسيقى …مشهد سينمائى فى منتهى الروعة حيث الحركة وزاوية التصوير وتعبيرات الوجه والتناغم بين كل مفردات المشهد …
لوحة حبوانات ساخرة توضح لنا البرديات روح الدعابة ، التى اتسم بها المصريون القدماء ، حيث تصور هذه البردية عدوين لدودين ، هما ضبع وأسد يستمتعان بجلسة ودية ، يلعبان فيها لعبة السنت ، كما تصور ثعلبا يعزف على الناى ويحرس قطيعا من الغنم ، بينما فى مقدمة اللوحة صورت قطة وهى ترعى بمنتهى المحبة مجموعة من الإوز ، أما الأسد المصور من طرف البردية ، فيبدو عليه الاستمتاع بالحركات المضحكة ، التى يقوم بها ثور يجلس على أريكة ، تداخل مبدع بين حيوانات / الممثلين بالمشهد ، ومفارقات تدعو لسخرية والضحك من توافق المتناقضين ، وكأن تلك اللوحة فيلما سينمائيا مضحكا ساخرا …
وقد برع المصرى القديم فى تقسيم المشاهد إلى لقطات ووضع خطوط فاصلة بينها فمناظر المصارعة فى بنى حسن أذهلت الجميع ( المينيا ) بتنوع وتتابع المشاهد فى لقطات كثيرة …
كما عرف المصرى القديم تصوير المشهد الخلفى وإبراز السخصية الرئيسة والثانوية ، وكذلك برعوا فى صنع الكادرات والزوايا واللقطات والمنظور والأضواء والظلال والتصوير الجانبى …..
والمدهش أن المصرى أيضا عرف المنتاج وظهر ذلك بوضوح شديد فى مناظر تصنيع السبائك الذهبية ، حيث تجلت عبقرية المصرى القديم بهذا التسلسل والتتابع التصويرى من خلال ما رصد على جدران مقبرة ” مريروكا ” بسقارة ، من مناظر متتالية تحكى خطوات الصناعات المعدنية بدءا من وزن المادة ثم صهرها ، ثم صبها فى قوالب وتشكيلها فى سلاسل ، ثم عمل قلائد للصدر وغيرها …
إن المتأمل فى المنجز الإبداعى للحضارة المصرية القديمة ينبهر بما وصل إليه المصرى القديم من إبداع فى كافة جوانب المعرفة …