صدر عن دار نلسن في بيروت كتاب “قيامة لبنان المنهار” (مقالات غير منشورة) بيروت في 15 أيلول 2021-27 حزيران 2022 للكاتب والمسرحي اللبناني فيصل فرحات. في ما يلي مقتطفات ثلاثة من الكتاب:
“ضربة معلّم”
وساطة الصُهر الثاني
لربما تكون “السياسة” اللبنانية من أصعب السياسات في العالم! وخير مثال على ذلك ما حصل بعد ثورة 17 تشرين، أي ما بات يُعرف عند العامة، في بيروت وكافة مناطق لبنان بـ: الثورة. حيث إن الكلام ما بين الأصحاب اليوم يبدأ بكلمة: قبل الثورة أو بعد الثورة؟
كما كثيراً ما نسمع كلمة: قبل الثورة كنت “باللوج” وماشي حالي تمام، لكن بعد الثورة وانفجار مرفأ بيروت بـ4 آب، صرت عَ الأرض، لا بل تحت الأرض! وهكذا يصحّ القول أن “السياسة” اللبنانية بعد ثورة تشرين، أي منذ حوالي السنتين، هي إلى جانب أنها من الأصعب والأعقد في تاريخ لبنان المعاصر والحديث وحتى في التاريخ القديم، فقد تميّزت بـ”الفجع المتوحّش” الذي وصل إلى درجة تشويه لا بل تحطيم أسس الرأسمالية التي قامت واستمرت على الربح المشروع والمنافسة المشروعة وبخاصة على الصعيد المحلي، مثل إخفاء وتخزين الأدوية والمحروقات وحليب الأطفال بهدف الإذلال إلى درجة الساديّة في رؤية الذلّ على الوجوه وفي الطوابير، ثم تهريب تلك الحاجات إلى خارج لبنان من أجل كسب أكثر من المال، أو الأحرى بسرقة أكثر للمال! وعليه، أقترح تأسيس لجان محاسبة دولية إلى جانب لجان حقوق المرأة والطفل والإنسان، من اجل الدفاع عن أسس الرأسمالية الغربية التي تحترم وتصون حياة الإنسان وتستغله في آن! والآن نعود إلى الموضوع الأساس، وهو تشكيل الحكومة العتيدة، حيث “كعى” (عجزوا) معظم الرؤساء والمسؤولين والصحافيين في العالم!! وبخاصة الفرنسيين الذين انتقدوا بشدّة لا بل “بهدلوا” المسؤولين اللبنانيين قبل وأثناء تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري التي تعثّر تشكيلها و”زمطت” بريشها دون تكلفة كبيرة؛ وكما قبل وأثناء تشكيل الحكومة برئاسة محمد نجيب ميقاتي والتي نجح تشكيلها بصرف النظر عن مكوّناتها ومكانة وزرائها وأهمية بيانها، إذ بمجرد النطق بكلمة: تشكلت الحكومة، شعر معظم اللبنانيين في الوطن والمهجر كما المقيمين فيه بالفرحة الطبيعية المُنتظرة. فألف مبروك إلى الجميع مكرّرة ثلاث مرات (مثلما قلت بالهاتف إلى صديقي القديم وزير المال الدكتور يوسف الخليل صباح يوم السبت). والآن يعزّ عليَّ أن اكتب مشهد مسرحي عن ما قد يكون قد حصل من قريب أو من بعيد ما بين الصهرين في “الربع” الساعة الأخيرة.
الصُهر الأول: شو؟! بدكن تعملو متل ما بدنا أو بتبلطو البحر؟ الصُهر الثاني: لا. بدنا إنبلط البحر! الأول: أي موفقين. والله ياخد بيدكن. الثاني: يخليك. وسفرتك عامرة. (يتقدم نحو صينية خشبية مرصّعة بالصدف، ويتناول قطعة قريدس كبيرة ويغمسها بالكافيار ويضعها في فمه ويمضغها بشهية، ثم يتبعها بأخرى مع همهمة، وباليد اليسرى يتناول محرمة مطرّزة ويمسح شفتيه بها). تركتلك تنين. كانوا سبعة. الأول: صحتين! وفيك تكفّي عالباقي إذا بدك. الثاني: لأ. أولاً اكلت شبعتي وثانياً عيب! (لاحساً شفتيه) من وين جايب القريدس والكافيار؟ الأول: من دبي. الثاني: يا عين ع دبي. صحرا صارت جنّة. ونحنا بلبنان كنا بالجنّة صرنا بجهنّم! يللا أنا ماشي. الأول: طيب وكيف رح تبلطوا البحر؟ واضعين خطة متكاملة؟ الثاني: خطت. خطت يا أبو الشباب. الأول: هات لنشوف خبرني. الثاني: شو بدي خبرك لخبرك. مستورد عمي من السوق الحرة باخرة بقر من هولندا وباخرة قمح من روسيا وباخرة غاز من مصر. وخود على أكل لحم بعجين مجاناً لكل أهل طرابلس عبر الجمعيات. الأول: وليش عبر الجمعيات؟ الثاني: لأنو عندن لوائح بأسماء المحتاجين، وأغلبن حلبوا صافي. الأول: ولأيمتى بدكن توزعوا لحم بعجين مجاناً؟ الثاني: على طول مدة اعتكاف الرئيس ببيته بطرابلس. وأنا بدي ضل رايح جايي لعندك ولعند عمّك لحتى تتشكل الحكومة. وهيك منكون ضمنّا الربح بالانتخابات.
بيروت في 15 أيلول 2021
في الشخصية اللبنانية
منذ طفولتي حين كنت في العاشرة من عمري، أحببت الشاطر وكرهت التصرفات الشريرة لبعض الشاطرين في آن. لكني كنت أميل لمسامحة الشاطر الشرير خاصة الذي يعمل مقالب تؤذي وتُضحك، لسبب لم أفهمه! ثم شيئاً فشيئاً صرت أعرف شيء من السبب الذي دفعني إلى مسامحة الشاطر الشرير، وهو لأننا نشبه بعضنا البعض بميزة الذكاء والذكاء هو أبو الشطارة؛ بحسب ما أقنعت نفسي وهي اقتنعت، وما زلت مقتنعاً حتى اليوم لكن بمستويات مختلفة، أهمها تفكيري في ذاك التناقض ما بين أمرين مهمين، وهما الذكاء وفعل الخير، والذكاء وفعل الشر؟! مرة، وبشيء من “الحشرية” والمعرفة رغبت أن أحكي مع محمود (على ما أذكر) وهو كان “المشكلجي” الأول في الحيّ، وذلك بحجّة مني لسرد ما جرى بيني وبين فلان، ولكي يقول هو، أي محمود “الحق على مين!” وهكذا تسّنى لي أن أمشي معه على طول رصيف مستشفى رزق قرب بيتنا في الاشرفية، وكأننا نتحدث، حينها سألته لماذا هو يضرب في أي مشكل يحصل؟ فصاح بصوت عالي وبحدّة مبرّراً وقائلاً: لأني بضرب التنين الظالم والمظلوم! وهنا شعرت برغبة للاستفهام وسألته لماذا يضرب المظلوم مرة ثانية؟! فقاطعني محمود وبصوت جهوري قائلاً: أنا بضرب المظلوم لأنه “خسع” وما دافع عن نفسه مثل ما لازم، وبضرب الظالم لأنه ظالم! حينها توقفت عن المشي قليلاً وهززت برأسي وكأني فهمت ومشيت عائداً إلى البيت، وكتبت في دفتري ما قاله ويفعله محمود وبخاصة لأخذه الغرض سبب المشكل!
اليوم، وبعد أكثر من خمسين سنة، تذكرت كلمة محمود وضربه للظالم والمظلوم في آن، وفي كيفيّة انتهاء المشكل. إذ أن الاثنين المتقاتلين يضربهما محمود وبخاصة بـ”نطحة” برأسه “تتدوخ” بالتساوي وينتهي المشكل! هنا، وعلى سيرة انتهاء المشكل، كثيراً ما خطر على بالي “فكرة” دور ما حازم وحاسم تلعبه الأمم المتحدة تنهي حالة المكابرة والكيديّة والتقاتل ما بين “الاذكياء” اللبنانيين (الخيرين والشريرين) مثلما كان يفعل محمود.
اليوم، وبعد أن “إنهار” وطننا العزيز لبنان، وأصبح معظم الشعب اللبناني متسوّل في الوطن ومشغول البال ومتضرر في المهجر، وممنوع عليه السفر إلى بعض البلدان العربية مثلما كان، وبعد معاناة الذلّ في الانتظار بطوابير على اختلافها، وبعد أن أصبح للبنان حكومة لتأتي المساعدات الدولية، لا بدّ من القول كلمة للتاريخ وللإنسان بأن الذكاء اللبناني بحسب نظرية “الشاطر بشطارته” هي المشكلة الأساس!! المرض. إذ أن الجميع على حقّ! وحلّها إذا فيك تحلّها؟! لكن الحقيقة تقول بأن الأغلبية يكذبون! وبخاصة من يعرف بأنه سيطر ويُظهر عدم المبالاة؟! مثلما هو حاصل في لبنان. إذ أن “حزب الله” سيطر على لبنان لكن لا يستطيع الإمساك به مئة بالمئة، وفي ذاك الهامش تكمن خطورة المجازفة شبه الانتحارية وإمكانية تقهقرها! والعدّ العكسي ضدّها! وهنا لا بدّ من التذكير “التاريخي” بأنه منذ 75 سنة كانت وفود شعبية تأتي إلى دارة أحمد بك الأسعد مطالبة بفتح مدرسة في القرية، ودائماً كان جواب البيك: “ما أنا عم علّم ابني كامل إلكن (لكم) وليحكي بإسمكن! حينها كانت الوفود تقول: “لا تواخذنا يا بيك” وتعود إلى قراها خائبين ومكسوري الخاطر! وهؤلاء هم أجداد الكثيرين من مسؤولي كافة الأحزاب والمنظمات اللبنانية في جنوب لبنان، لذا، لا يحق ولا يجوز أن يتحكّم حزب واحد بالجميع ويقدم لبنان هدية إلى إيران بحجّة تحرير فلسطين!!
يبقى سؤال: هل سيقاتل “حزب الله” طالبان دفاعاً عن إيران؟
بيروت في 20 أيلول 2021
الأحلام الرائعة
تحقّقها النساء
لا أحد يعرف بالضبط بماذا تفكر امرأة “صافنة”، أي عيناها لا ترى شيئاً معيناً، وبالطبع هي بحالة تفكير يُجمّد عيناها عن الحركة لكي تتمكن من التقاط فكرة سارحة!
وهذه الحالة يعرفها ويعيشها الرجل أيضاً، لكن بتأثير مختلف تماماً عمّا يدور في رأسها من صُوَر. (هنا أتكلم عن المرأة من الطبقة الوسطى تتكلم وتقرأ بثلاث لغات). من الصّور التي يتراءى لي بأن تلك المرأة تحاول التقاطها والتفكير فيها مسألة الاحتباس الحراري للأرض! التي سيعاني منها البشر في السنوات المقبلة.
لذا، أقترح تشكيل لجان نسائية عالمية – محلية لطرح أهم المشكلات التي ستعاني منها مختلف الشعوب، وإيجاد الحلول لها. وهنا سوف يبرز صراع النوع ما بين أنثى تعشق الحياة ورجل لا يبالي بمشكلة حرارة الأرض! وبالتالي نكون أمام معضلة إن معظم النساء يريدن السلام، ومعظم الرجال يريدون الحرب؟! مثلما هو حاصل في عدة دول منها لبنان!
هنا، وفي لحظة “صفن” (رؤية فكرة سارحة) مرّت في خيالي صورة تجمع 23 وزيرة مع رئيسة الحكومة، ووحده دولة الرئيس ميقاتي الرجل الوحيد في حكومة نسائية افتراضية، ورتبته نائب رئيسة الحكومة!
صورة مُضحكة كثيراً، لكنها في منتهى الجدّية قياساً على ما يعانيه ويريده الشعب أو الشعوب اللبنانية! وهنا نعرف تماماً بأن المرأة اللبنانية، تحب وتعشق لبنان أكثر بمرّات من الرجل اللبناني وبخاصة سارق المال!
وعليه، أدعو النساء من مختلف الأديان والطوائف والفئات وبخاصة نساء الطبقة الوسطى (وإن لم تعد موجودة في الواقع، لكنها موجودة في الأشخاص والنساء تحديداً) المسيحيات إلى التعبير الافتراضي عما ممكن أن تكون عليه الحياة في لبنان بمشاركة المرأة الرجل في الشأن العام، عبر خواطر وأحلام وتمنيات على وسائل التواصل الاجتماعي (الذي أصبح اليوم اللاإجتماعي بل المؤذي والمقرف!)، وباللغات الثلاث عربي، فرنسي وإنكليزي، وذلك من أحلامهن التي لم تتحقق وعمّا يردن تحقيقه في هذه الأيام (بعد إنهيار لبنان)!
إن فعل الكتابة والتصوير (غير السطحية والركيكة) هو بحدّ ذاته فعل وجودي كياني وفكري إنساني. يضاف “الجيش الأبيض” وتضحياته. ثم جيش النساء المثقفات والموهوبات بكافة أشكال الفنون وبخاصة التمثيل والرسم والإخراج البصري ما قد يجعل الحياة “مضحكة”! وعندئذٍ يتحقق الجزء الأول من الأحلام بمجرّد طرحها وبعدها يلعب الذكاء والحظ دورهما، وهذا أمر سهل على النساء.
ختاماً، ألف تحية وتحية إلى نساء لبنان وبخاصة اللواتي نزلن إلى الشارع لمجرد الكلام عن رسم مالي إضافي غير مُحق على خدمة الواتسآب في 17 تشرين، وبعد عدة أيام عدن إلى البيت للنجاة من الضرب المشين!
بيروت في 21 أيلول 2021