عماد أبو زيد
( كاتب مصرى..عضو اتحاد الكتاب)
حينما حملتني ساقاي، صرت أمضي مع الناس إلى المقابر؛ لتشييع الجثامين، و بين جانبي دفقات هلع ومهابة، أتساءل: كيف لهؤلاء الرجال أن يحملون النعوش؟، أو كيف حال قلب ذلك الرجل، الذي يفتح القبر، ويعده، ويستلم الجثة، ويدخلها إلى مثواها الأخير.
في بداية تعارفي عليها، أحسست إنني أتكلم مع أحد أعرفه من وقت طويل مضى، لم يكن ثمة تكلف من جانبينا، الحديث لين، يسير بيسر وبساطة، على عكس الحديث مع بعض النساء، أو بعض الرجال؛ إذ تستوقفك طريقة الرد، وملامح الوجه وقسماته، ونظرة العين، وابتسامة الشفاه، أو قسوتها، وحركة اليد، وحرارة الكلمات أو برودتها، ومن ثم قد يتغير مجرى الحديث، أو ينتهي.
انتهي الحديث بيننا، بانتهاء مأمورية العمل في جهاز الإسكان بالمدينة، جاء هذا اللقاء في اليوم الأخير من المأمورية. عدت إلى مقر الوزارة، وجددت مأمورية جديدة لي في جهاز تلك المدينة؛ بحجة استكمال بعض الأوراق.
كانت ملامح صوفيا تطاردني، وداعة أنثى رقيقة القلب، لينة الجانب، بالإضافة إلى قوام جذاب، ووجه صبوح مفعم بالخصوبة، وذوق راق في الملبس. كل ما تم ذكره يمثل لي بالطبع “باكدج” إغراءات، هذه كانت طريقة تفكيري وحساباتي -وإن لم تعجب أحد-. ظللت أحاول استجماع ملامح صوفيا من ذاكرتي، و ظلت هي تطاردني، وتبرق في مخيلتي للحظة، ثم تختفي. تومض وتخبو.
استأنفت عملي بالمأمورية بجهاز تلك المدينة، ولم أرها، إلا أن طيفها كان يعبر أمامي ويتوارى.
ومع مرور الوقت، ودبيب البياض في الشعر، كان قلبي تمرس على الشدة، الدموع تستعصي على الهطول، أسير في ركب الجنائز، وأسمع قصصًا عن العم المحلاوي اللحاد؛ إذ تم القبض عليه، وأحيل إلى النيابة العامة، بتهمة نبش القبور، وإخراج الجثث، والإتجار فيها.
أذكر عمر غنيم، وبعض خصاله، كان بينها يتمتع بمكر وخبث شديدين، وقد وظف ذلك لصالحه في العمل، ولقد صادفت في حياتي شابة فتية، أبهرتني بما أحبه في النساء، كانت تشبه صوفيا، إلا أن كان هناك شيئا يدلل على أن البدايات لن تكن كفيلة بالإستمرار.