الكاتب والأديب/ عبدالله مهدي
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث وله اجتهادات نقدية)
الأدب المصرى القديم أعرق ٱداب العالم ، ولكنه للأسف الشديد ، ليس ذائع الصيت بالمقارنة بالأدب اليونانى ، الذى يزعم البعض ، بأنه أقدم الٱداب فى العالم ، ولكن الحقيقة التاريخية الواضحة ، أن الأدب اليونانى أحدث زمنا من الأدب المصرى القديم ….
ولعل ذلك يرجع إلى تأخر الكشف عن حل رموز اللغة المصرية القديمة حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر ، بالإضافة إلى قلة الدراسات فى هذا الجانب ، من جوانب الحضارة المصرية القديمة ، حتى مطلع القرن العشرين …
دارت مناقشات حول الدراما والتمثيل فى مصر القديمة ، وأكد بعض الباحثين ما دلل عليه الدكتور / سليم حسن —فى موسوعته ( مصر القديمة) الجزء الثامن عشر ” الأدب المصرى القديم ( الشعر وفنونه — المسرح ) ” — بريادة مصر على الدنيا كلها فى إبداع الدراما وتشخيصها / تمثيلها ، وأنها وليدة الفكر المصرى ، وأنها شبت وترعرعت فى التربة المصرية ، متجاوزة الرأى السائد عند السواد الأعظم من أن الإغريقيين أول من ابتكروا الدراما وأن ” ايسكلس أو ايسخولوس ” بدأت تظهر كتاباته فى عالم التأليف التمثيلى عام ٤٩٩ ق. م …
على حين نجد فى مصر دراما تمثيلية ظهرت حوالى عام ٣٤٠٠ ق.م ( الدراما المنغية ) ، ثم كتبت بعدها على ما يذكر الدراما المسماه ( انتصار حور على أعدائه ) فى الأسرة الثالثة ، وأخيرا ( دراما التتويج ) التى كتبت فى عهد الدولة الوسطى أى نحو ٢٠٠٠ سنة ق. م ..
ويأتى سبق مصر فى العالم القديم فى الطب والهندسة والفلك والرياضة والكتابة والٱداب بنحو ثلاثة ٱلاف عام ،انتقلت أيضا إلى الدراما الممثلة ( التمثيلية ) …
وأكدت الشواهد أن المصريين عرفوا نوعين من الدراما هما :–
*الدراما الدينية.
*الحفلات الطقسية.
فقد كان الكهنة يقمن حفلات طقسية فى المعابد ، كما أنشأوا مدارس لتعليم الرقص تابعة للمعابد ، والرقص عندهم موظف دراميا …
كما أن صوراومشاهد فنية سجلتها رسوم ونقوش أجدادهم الفراعنة على معابد وجدران مقابرهم ، وتشير هذه الصور والمشاهد إلى أن الأقصر وغيرها من مدن مصر عرفت فنون التمثيل ” الشواهد التاريخية فى أبيدوس والأقصر وإدفو ”
وجرى ما جاء فى كتاب ( فى البدء كانت مصر ) للدكتور / وسيم السيسى ، على منوال ما ورد فى موسوعة الدكتور / سليم حسن ( مصر القديمة الجزء الثامن عشر ) …
تحت عنوان ( الدراما والشعر الدراماتيكى ” أى الشعر التمثيلى فى الأدب المصرى ” ) ، وتأكيده بأن الدراما المصرية القديمة ،قد ظهرت قبل الدراما اليونانية بنحو ثلاثة ٱلاف سنة ، وأنها بدت أكثر نضجا منها ، بعد العثور على وثيقة دونت فى عهد فجر الاتحاد الثانى ” مينا ” وهو الوقت التى كانت فيه الكتابة قليلة ومختصرة جدا ، وتلك الوثيقة ( دراما أو تمثيلية دونت شعرا ) وقد سماها ( شبكا ) ” ٨٠٠ق.م ” ( تاريخ الأجداد ) ، بعد أن دونها كتبته على حجر ، نقلا من بردية قد فعل فيها الدود الأفاعيل …
فلغة الوثيقة ومحتوياتها القديمة لم تدع مجالا لشك عن أصلها عظيم القدم ، وذلك لكونها تحوى اصطلاحات تدل على أنها قديمة جدا ، كما أن المتن يكشف لنا عن موقف تاريخى يدل بداهة ، على أن وقوعه لا يمكن إلا فى بداية الاتحاد الثانى ، عهد تأسيس الأسرة الأولى على يد ” مينا ” حوالى ٣٤٠٠ ق.م ، على أن هذه الوثيقة التى قال عنها السيسى فى كتابه ” فى البدء كانت مصر ” ( حجر الطاحون ) والتى أعاد كتبة الملك ” شبكا ” نسخها على حجر أسود للأجيال القادمة ، وقع فى يد قرويين ، فاستخدموه قاعدة لطاحونة تطحن غلالهم ، وهذا الحجر محفوظ بالمتحف البريطانى …
الدراما المتفية / تمثيلية بدء الخليقة :
ذكر الدكتور / سليم حسن أن تلك المسرحية محاولة لتفسير أصل الأشياء ، كما تبرز لنا المكانة السامية التى احتلها ” بتاح ” فى الفقرات الختامية ، فنعلم ( أن بتاح العظيم هو قلب الٱلهة ولسانها ) وهذا التفسير الخارق للمألوف ، ينجلى لنا عندما نعلم ، أن القلب معناه العقل أو الفهم أما اللسان فهو تعريف للكلمة التى لفظت ، فهو الشيئ الذى يجعل أفكار العقل ظاهرة ويخرجها إلى حيز الوجود حقيقة واضحة…
دراما التتوبج “وثيقة الرمسيوم” ٢٠٠٠ ق.م
تمثيلية تتويج الملك ” سنوسرت الأول ” بعد موت والده ” أمنمحات الأول ” .
تمتاز تلك الدراما بأنها كتبت فى العصر المنسوبة إليه ، أى عهد الدولة الوسطى ، وقد عثر عليها ” كوبيل فى عام ١٨٩٥ — ١٨٩٦ م ” حينما كان يقوم بأعمال الحفر بمنطقة الرمسيوم الواقعة فى الجهة الغربية من مدينة طيبة القديمة ، وقد وجدها مع غيرها من أوراق البردى ، فى قبر من قبور الدولة الوسطى ، محفوظة فى صندوق يرثى لها من التمزيق ، وقام بتركيب أجزائها المفتتة الفنى القدير الألمانى ” إبشر ” وقد نجح فى مهمته ، ثم تناولها عالم المصريات / زيته … بالبحث والتحليل حتى وصل إلى حل رموزها وقرنها بالدراما المنفية ….
تتلخص الدراما فى ستة وأربعين منظرا ، بدءا من المنظرين الأول والثانى واللذين يكشفان عن موت الملك ” أمنمحات الأول ” ويأتى وريثه على العرش ” سنوسرت الأول ” فيأمر بإحضار السفينة الملكية بعد تجهيزها ….
وتحوى تلك الدراما –: دراما التتويج / ورقة الرمسيوم كما يسميها علماء المصريات — على الشعائر الدينية التى كانت تمثل عند تتويج ملك جديد …
دراما انتصار حور على أعدائه :
أفضل دراما حفظت بحالتها سليمة على جدران معبد إدفو ” منقوشة ” الذى أقيم للإله حور ، وقد وضح متنها برسوم لمناظرها ، مما يساعد على فهم هذه الدراما ، ومع ذلك فإن التمثيلية التى لدينا ليست إلا رواية مختصرة عن دراما كبيرة عنوانها ( انتصار حور على أعدائه ) وهى تقص علينا حرب الانتقام التى شنها حور على قاتل والده أوزير ثم انتصاره والحكم له أمام القضاة المقدسين ، ثم اعتلائه عرش والده ” أوزير ” لكونه الوارث الشرعى له …
وبذلك نرى الهدف الذى ترمى إليه القصة ، هو الهدف نفسه فى الدراما المنفية / تمثيلية خلق الدنيا وكذلك دراما التتويج التى يرجع عهدها إلى أوائل الأسرة الثانية عشر …
تنويه هام :
لقد اختلف المؤرخون فى تحديد تاريخ جامعة أون فنسبها ” سترابون ” إلى عصر حضارة نقادة الثانية ، عندما تمت الوحدة الأولى عام ٤٢٤٠ ق. م ، وتمتد من المطرية إلى عين شمس شمالا إلى مصر العتيقة، وتمتد جنوبا حتى ( جبل — أون ) جنوب حلوان حاليا …