صدر عن دار نلسن في بيروت و”ريشة للنشر والتوزيع” في مصر كتاب “سيد درويش المؤسس” لفكتور سحّاب . في ما يلي تقديم الكتاب بقلم المؤلف ومقتطفات منه.
تقديم
سيّد درويش: المؤسِّس
هذا الكتاب هو حصيلة عمر من الكتابة عن الموسيقار العربي الخالد، الذي قلب صفحة القرن التاسع عشر في الموسيقى العربيّة المدنيّة، وسطّر بعض ما عنده في أول صفحة من القرن العشرين، في كتاب أكمل صفحاته من بعده موسيقيون كثر، على رأسهم محمّد عبد الوهّاب ومحمّد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي، فلوّنت أم كلثوم وأسمهان بصوتيهما صور هذا الكتاب، مع حشد آخر من الموسيقيين والمطربات والمطربين.
سيّد درويش، يتحدّثون عنه الكثير، ويكتبون في عبقريته الكثير، لكن من يسمعون أغنياته، ويعرفون سيرته الفنية حقاً، أقل بكثير مما يستحقّ هذا المؤسس.
وهذا الكتاب، يحاول أن يكشف الغطاء عن حقائق في حياة سيّد درويش الفنيّة، وطبيعة التجديد الذي جاء به، والتجديد الذي لم يجئ به، وتفاصيل مواقفه الوطنية، التي ترجمها في موسيقاه وغنائه، وبعض ما خفي من هذه المواقف.
وإذا كان سيّد درويش أسطورة في نظر العامة من الناس، فإن هذه الأسطورة تحرمهم من معرفته تمام المعرفة. وسيحاول الكتاب أن يزيل الأسطورة، من أجل أن نعرف بالتمام، من هو سيّد درويش، وما هو إنجازه التاريخي.
وآمل أن يكون في هذا الكتاب بعض عرفان بجميل هذا العبقري، فعسى أن أكون قد وفيته ما أستطيع وفاءه من حقه.
شكر خاص للمؤرخين المصريين العزيزين الأستاذين محب جميل وكريم جمال اللذين أمدّانا بكثير من النصوص المهمّة الملحَقة بهذا الكتاب.
د. فكتور سحّاب
20- 3- 2018
سيّد درويش(*)
(17 آذار 1892/ 23 أيلول 1923)
“لقد رأيت سيّد درويش بعينيّ، يأتي معنا إلى تياترو الكورسال، ليشاهد جوقة الأوبرا الإيطاليّة، تعرض توسكا، ومدام بترفلاي لبوتشيني، والبلياتشو لليونكافالو”([1]). وثمة من يضيف إلى قول توفيق الحكيم هذا، أن سيّد درويش كان يرتاد دور المسرح للاطلاع على أداء الفرق الأجنبيّة الوافدة إلى الإسكندريّة والقاهرة، خصوصاً الأوبرا، فلما قالوا له إن رأسه أشبه برأس فيردي، أعظم موسيقيّي إيطالية، قال لهم: “أنا فيردي مصر”([2]).
وعلى الرغم من أن طموح الشيخ سيّد درويش إلى دراسة الموسيقى في إيطالية كان دونه الموت الباكر، إلا أن الإجماع على أن هذا الفتى السكندراني كان حقاً أعظم موسيقيّي مصر، لا يخالطه أي تحفّظ أو اعتراض. ولكن…
“أين هو اليوم، وماذا هو اليوم؟ هو أسطورة: اختفت النغمة، وحلّت محلّها الكلمة، فاختفت الحقيقة وحلّت محلّها الأسطورة وضاع سيّد… جيلنا الحاضر يسمع عن سيّد ولا يسمعه”([3]).
بهذه الكلمات، أعربت جمعيّة أصدقاء سيّد درويش عن غُصّة لطالما تبدّت من أحاديث جميع محبّي فن هذا العبقري الشاب، الذي أحدث في سنوات سبع قصار، ثورة في الموسيقى العربيّة، نعترف بها وقلما نعرف آثاره فيها، أو ملامح بصماته عليها.
حياة وجيزة
كان مولد الشيخ سيّد درويش في السابع عشر من شهر آذار/ مارس 1892، في السنة التي وُلِد فيها أيضاً عمود آخر من أعمدة الموسيقى العربيّة، محمّد القصبجي، وزعيم المسرح الفكاهي العربي نجيب الريحاني، الذي تخصّص سنوات في تقديم مسرحيّات سيّد درويش الغنائيّة، وعَلَم خالد من أعلام الزجل المصري، كُتِبَت له رِفقة عمر مع الشيخ سيّد، هو بديع خيري، واضع كلمات معظم أغنياته، وبعده بسنة وُلِد صديق عمره الآخر، زعيم فن الزجل المصري الخالد، محمود بيرم التونسي، الذي كان سكندرياً مثله. وفي سنة 1896 وُلِد عبقريٌ آخر هو الشيخ زكريّا أحمد. كل هؤلاء، وغيرهم من الخالدين، وُلِدوا لمصر في عدد من السنوات لا يُجاوِز عدد أصابع اليد، فيما كانت مصر تفيض بسيل مذهل من الأساطين، واحداً إثر واحد، بفعل كيمياء اجتماعيّة وتاريخيّة نادرة التفاعل.
وُلِد الشيخ سيّد في حي كوم الدكّة الفقير في الإسكندريّة، لوالد فقير هو درويش البحر، وأم قديرة على فقرها اسمها مُلوك، بعد ثلاث بنات. وكانت اثنتان من أخواته قد تزوّجتا قبل ولادته. ومات والده النجار وهو في السابعة، بعدما أدخله مدرسة الحي. وابتغت له أمه العلم والمرتبة الاجتماعيّة، فأرسلته إلى كُتّاب حسن حلاوة، يتعلّم فيه تجويد القرآن([4]).
ثم ارتاد مدرسة “سامي أفندي”، وكان هذا يحب الأناشيد الحماسيّة، في حقبة احتشدت فيها الحوادث السياسيّة، وأَجَّت المشاعر الوطنيّة. وأَذَّنَ الشيخ سيّد في مسجد الشوربجي، وهو لم يزل يافعاً. واستهواه الغناء، فاضطربت حاله الماليّة والعائليّة زمناً، حين سلك نحو الغناء في مرابع لا تناسب مكانته مقرئاً، فاختصم وصهره، وكان يراوح بين نزوعه الطاغي إلى الفن، ومسايرة أحواله العائليّة والاجتماعيّة. إلا أنه خلع العمامة والقُفطان، ثم عمل في ورشة بناء مغنياً، يحضّ العمّال على الجد. وفي إحدى الورش استمع إليه سليم عطالله، وكان يجلس في مقهىً مجاور، فأخذه إلى أخيه أمين، فانضم الشيخ سيّد إلى فرقته، وسافر معه إلى برّ الشام([5])، مرّة أولى، في مطلع سنة 1909. ووُلِد له ابنه الأول محمّد البحر، في أول أيام السنة، فيما كان مُبحراً. وكان في السابعة عشرة لم يُكمِلها. وفشلت الرحلة، وانقضت بعد عشرة أشهر. البعض قال إن الأزمة الاقتصاديّة آنئذ أسهمت في الفشل، فيما قال آخرون، إن جمهور بيروت ودمشق وحلب، الذي استمع في سنة 1906 إلى سيّد الطرب سلامة حجازي، عقد مقارنة بين الشيخين، سلامة وسيّد. ولم يكن في مَكِنَة الفتى الناشئ أن يُحرِز الغلبة على سيّد المطربين وهو في الأوج.
لكن رحلة الشام الأولى علّمته الكثير. فقال لزكي طليمات، المسرحي الذي عمل معه ومع نجيب الريحاني فيما بعد: “حفظتُ التواشيح والضروب الموسيقيّة القديمة، ثم أناشيد الكنائس”([6]). وكان يسمّي الموسيقى الكنسيّة العربيّة “أوبرا إلهيّة”. وتعلّم في الشام على موسيقيّين كُثر، منهم عثمان الموصلي، وحفظ كل التراث العربيّ عن ظهر قلب. ثم أمضى سنتين في الإسكندريّة، مراوحاً بين الفن والوظيفة، قبل أن يرحل رحلته الثانية مع أمين عطالله إلى الشام، حيث أصاب شهرةً ونجاحاً. وعاد إلى مصر قبل نشوب الحرب الكونيّة الأولى، وقد علا كعبه وتمكّن من فنّه، وبدأت شهرته تتسرّب إلى النواحي المصريّة، وبالأخص إلى مصر القاهرة، التي أخذ يغنيّ في مسارحها. وتتضارب الأقوال فيمن اكتشفه أو استدرجه إلى القاهرة. فمصطفى رضا، عازف القانون ورئيس معهد الموسيقى العربيّة فيما بعد، يروي أنه ذهب وسلامة حجازي إلى اسكندريّة سنة 1910، واستمعا إلى سيّد درويش الذي اشتكى إعراض الجمهور عن ألحانه، فشجّعه حجازي على ألا يغني غير ألحانه، لأن الجمهور سيُقبِل عليها لاحقاً([7]). فيما قال يونس القاضي إنه أخذه إلى القاهرة سنة 1914، وروى واقعةً له مع جليلة([8]).
وقد سجّل الشيخ زكريّا أحمد في مذكراته، أنه عرف الشيخ سيّد وزاره مرّات قبل سنة 1916، وأنه قصده في 3 كانون الثاني/ يناير 1916، في الإسكندريّة، فأخذه معه في اليوم التالي إلى القاهرة، ليغنّي في مسرح محمّد عمر. فغضب سيّد لأن أجره في الليلة كان خمسة عشر جنيهاً، فيما كان أجر صالح عبد الحي مائة جنيه. ولذا عاد إلى الإسكندريّة على الفور([9]).
وأول ما رصدناه من الدلائل على عمله في القاهرة، فيما بعد، إعلان في أول شباط/ فبراير 1917، في صحيفة المقطّم([10])، وفيه أن إدارة كازينو غلوب أنشأت خلف مخازن شيكوريل “مرسحاً جديداً للتمثيل العربي والإفرنكي، سيُفتَتح مساء اليوم 1 فبراير. وقد ألّفت للتمثيل جوقتين واحدة عصريّة والأخرى أدبيّة. وفي مقدّمة ممثليها الممثل المشهور عمر وصفي… وقد عهدت إلى الموسيقي المشهور الأستاذ الشيخ سيّد درويش وضع ألحان الجوقين الكوميدي والأوبريت وتلحينها. وأدخلت أوركستر شرقي مع الأوركستر الأوروبي لتوقيع الألحان. وهي أول مرّة تقترن فيها الموسيقى الشرقيّة بأختها الأوروبية على مراسح التمثيل. وقد عهدت إدارة المحل إلى حضرة فرح أفندي أنطون في وضع الرواية الأولى لهذا الجوق”. ولم يظهر اسم المسرحيّة إلا في السادس والعشرين من الشهر في “المقطّم”: “خد بالك يا أستاذ”. ولم يُعثَر من قبل على شيءٍ من ألحانها وأغنياتها، على ما نعلم. وظهر إعلان آخر في “المقطّم” في السابع عشر من شباط/ فبراير 1917، فيه: “يُطرِب الجمهور في مساء هذا اليوم في كازينو البوسفور المطرب الشهير والملحن المقتدر الشيخ سيّد درويش الإسكندري على تخت محمّد أفندي العقّاد، ومعه سامي أفندي الشوّا. لكن الشيخ سيّد فشل في “البوسفور” فشلاً ذريعاً حمله على طرد خليلته الشهيرة جليلة، فعاد إلى الإسكندريّة.
وعاود سلامة حجازي، وكان سكندريّاً أيضاً، زيارته. فأرسل إليه مَن يدعوه إلى ملاقاته. فأبى الشيخ سيّد إلا أن يوافيه الشيخ سلامة إلى حيث يغنّي. وأعجِب سلامة بإبائه، بعد صوته، فعقد وإياه أن يغني بين الفصول، في مسرحيّة “غانية الأندلس” في مسرح “برنتانيا” في العاصمة المصريّة. وفي أول تشرين الأول/ أكتوبر 1917، غنّى الشيخ سيّد للقاهريّين، فلقي إعراضاً كاملاً، حدا الشيخ سلامة على ما يقرب من توبيخ الحاضرين بسوء تقديرهم، وقال لهم: “… ومع ذلك فهو مستقبل الموسيقى والغناء في الشرق، وهو خليفتي”([11]).
لكن الشيخ سلامة مات بعد أربعة أيام، وعاد سيّد بعد فشله إلى الإسكندريّة، كعادته. وكان القدر يرتب له مع ذلك عودة إلى القاهرة، تختلف عن سابقاتها، إذ كان الركود أصاب المسارح فيها بعض الشيء. وكانت لكل من علي الكسّار ونجيب الريحاني وجورج أبيض ومنيرة المهديّة وأبناء عُكاشه فرقة تقدّم للمصريّين في سنوات الحرب ضروب الترفيه المراوحة بين الفكاهة الشعبيّة والتمثيليات الأوروبيّة التراجيديّة المعرّبة. وكان جورج أبيض ينحو هذا النحو الجدي، فأوعز إليه صديقه الصحافي جورج طنّوس، أن يستعين ألحان الشيخ سيّد، لمغالبة الركود. فذهب جورج إلى الإسكندريّة، وأحضر معه الشيخ سيّد سنة 1918، بعدما اتفقا على أن يلحّن له مسرحيّة “فيروزشاه”([12]). وعلى رغم فشل المسرحيّة، إلا أن ذلك كان آخر فشل فني في عمر الشيخ سيّد. إذ كان بين جموع الحاضرين شاعر فتى اسمه بديع خيري، على صداقة مع نجيب الريحاني. وكانت في عداد أغنيات “فيروزشاه” أغنية “دنغي دنغي” التي كتبها خيري باللهجة السودانيّة، فلحّنها سيّد في الإسكندريّة، دون أن يعرف مؤلفها. وهي أغنية تُطري بوحدة مصر والسودان، ولم يُقَيَّض لها الاشتهار إلا في أيام ثورة 1919. غير أنها كانت الخيط الذي شدّ آصرة المودّة بين الرجلين، وجعلهما ثنائياً فنياً، لا يُذكَر أحدهما دون الآخر. فأخذه خيري إلى الريحاني، الذي كلّفه أولاً تأليف “مقطوعات استعراضيّة” بين الفصول لقاء أربعين جنيهاً، فلما نجحت، استخدمه في تلحين مسرحيّاته، لقاء مائة وخمسين جنيهاً في الشهر. “كلّه من ده” كانت أولى هذه المسرحيّات، وأول عهد لسيّد درويش بالاشتهار العام([13])، فأحلّه الناس محلّ سلامة حجازي في السيادة على الغناء. وانتهى بذا عصر الشيخ سلامة، وبدأ عصر الشيخ سيّد، عصر الموسيقى العربيّة المعاصرة.
***
صل: سيّد درويش، من كتاب: السبعة الكبار في الموسيقى العربيّة المعاصرة، دار العلم للملايين، ط2، 2001، بيروت.
([1]) توفيق الحكيم، في كتاب: “فنان الشعب” ص 26، مطبوعات جمعيّة أصدقاء موسيقى سيّد درويش، الإسكندريّة، بلا تاريخ.
([2]) من حديث مع الموسيقي اللبناني الراحل خالد أبو النصر، أذيع في برنامج أعدّه الكاتب، في ذكرى مرور خمسين سنة على وفاة سيّد درويش، يوم السبت 15 أيلول 1973، من إذاعة لبنان.
([3]) محمد علي حماد: “سيّد درويش حياة ونغم”، ص 11 و12. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970.
([4]) بين تجويد القرآن والنبوغ في فن الموسيقى والغناء العربي أسباب لا تتقطّع، إذ من فوائد التجويد العميمة أنه يمرّن على الارتجال، وامتلاك ناصية السكك المقاميّة، والبراعة في التنقّل بينها، وتحسين النطق العربي ومخارج الحروف، والتدريب على إيقاع الكلمة العربيّة وموسيقاها واجتناب اللَّحَن، وتمرين الحجاب الحاجز في أسفل الرئتين، للحاجة إلى طول النفس في قراءة بعض الآيات، وبذا يسيطر المقرئ على صوته ونَفَسِه معاً. ويعرف مدرّسو الغناء ما للحجاب الحاجز من فضل في اجتناب النشاز واضطراب الصوت وانقطاع النفَس.
([5]) كان ذلك قبل اقتسام السلطنة العثمانيّة، بين الدول الأوروبيّة العظمى، وكان لبنان ضمن بلاد الشام.
([6]) زكي طليمات: “ذكريات ووجوه”، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1981، ص 71.
([7]) صبري أبو المجد: “زكريّا أحمد”، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر، بلا تاريخ، ص 198.
([8]) صبري أبو المجد، المرجع السابق، ص 200.
([9]) صبري أبو المجد، المرجع السابق، ص 119، و194، و204.
([10]) روجعت أعداد الصحيفة يوماً بيوم، حتى موت سيّد درويش سنة 1923، في مكتبة الجامعة الأميركيّة في بيروت.
([11]) محمّد علي حماد: المرجع السابق، ص 80؛ ومحمود أحمد الحفني: “سيّد درويش، حياته وآثار عبقريته”، الهيئة المصريّة العامة للكتاب، القاهرة، 1974، ص 98؛ وصبري أبو المجد: المرجع السابق، ص 198.
([12]) تؤكد سعاد أبيض، في كتابها عن والدها: “جورج أبيض”، دار المعارف، القاهرة، بلا تاريخ، ص 157 إلى 170، أن سيّد درويش عمل في فرقته منذ 1915، عندما كان والدها يقدّم عروضاً مسرحيّة في الإسكندريّة. وروايتها تبدو أدقّ تحقيقاً من الروايات الأخرى، وإن كانت تبدي في كتابها نزوعاً إلى تعظيم فضل والدها في إشهار سيّد درويش و”التنازل” عنه للريحاني. وقد ظهر إعلان في المقطّم، في 20 تموز/ يوليو 1918، ص 4، يعلن بدء عرض المسرحيّة في اليوم التالي. وظهر في أول شباط/ فبراير 1919، إعلان في الصحيفة نفسها، بعرض فرقة جورج أبيض مسرحيّة “فيروزخان”. والراجح أنها هي نفسها “فيروزشاه”، لأن الإعلان أثبت أن حامد مرسي يغني فيها 15 لحناً وضعها الشيخ سيّد.
([13]) اختلف المؤرّخون في ترتيب المسرحيّات الغنائيّة التي وضع سيّد درويش موسيقاها لفرقة الريحاني، وإن كان معظمهم قال إن “ولو” هي الأولى. أما الدكتورة ليلى نسيم أبو سيف التي نشرت كتابها: “نجيب الريحاني وتطوّر الكوميديا في مصر”، في دار المعارف، القاهرة، 1972، فجعلت الترتيب على النحو التالي: قولوا له (1919)، ولو (1919)، رن (1918)، فشر (1920)، العشرة الطيبة (1920). ويتّضح من تاريخ مسرحيّة “رن” اضطراب الترتيب عندها. لكن الريحاني في مذكراته، وفؤاد رشيد في كتابه “تاريخ المسرح العربي” (أنظر كتاب د. أبو سيف المذكور، ص 74) يتّفقان على أن “ولو” ظهرت سنة 1918 قبل الأخريات. وفي تحقيقنا بإعلانات صحيفة “المقطّم” تبيّن أن الريحاني قدّم “ولو” على مسرح الإجبسيانة في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1918، أول مرة، ولكنه كان قد قدم على المسرح نفسه مسرحيّة غنائيّة لسيّد درويش، قبل “ولو”، هي “كلّه من ده”، وبدأ عرضها يوم الخميس، أول آب/ أغسطس 1918، طبقاً لإعلان ظهر في “المقطّم” في اليوم نفسه.