سليمان بختي
رحل في باريس المصور والمحلل الصحافي اللبناني – الأميركي كلود صالحاني. هو أحد رموز التصوير الصحافي في لبنان والعالم.
نشأ في رأس بيروت (من أم بولونية وأب لبناني ). درس في المدرسة الإيطالية وأخذه شغف التصوير الى عالم لا أول له ولا آخر.
انضم الى أسرة “اللوجور” و”النهار” 1972 ولطالما أثارت صوره إعجاب غسان تويني وتصدرت الصفحة الأولى في النهار ومنها الى وكالات الأنباء العالمية.
كانت كاميرا كلود صالحاني حاضرة في قلب الحدث وخلفيته وفي الكلمة الموحية.
عين مديرا للتصوير في وكالة يو بي أي 1981 ومنها الى رويترز.
في التسعينات انتقل صالحاني للعمل كمحلل ومحرر صحافي وإعلامي في كبرى الصحف ومحطات التلفزة في العالم.
كان في الميدل ايست تايمز وفي وكالة الأخبار الدولية متخصصا في شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والإسلام السياسي وقضايا الإرهاب. وقد ترجمت مقالاته ونشرت في العديد من الصحف العربية.
استقر صالحاني لسنوات في بيروت والقاهرة وباريس وبروكسل ولندن ونيويورك وواشنطن.
اتقن صالحاني 6 لغات وسافر الى أكثر من 87 بلدا في العالم، وغطى أكثر من 12 حربا في مناطق نزاع متوترة اقليميا ودوليا بما فيها غزة والضفة الغربية وكوسوفو والعراق، وقابل العديد من القيادات في العالم. ورشح الى جائزة البوليتزر لتغطيته المميزة لحادثة تفجير مقر المارينز في بيروت 1983 على خلفية التقاطه صورة لجندي مارينز راكعا وباكيا ويمسح دموعه على مدخل المقر وانتشرت الصورة في كل العالم.
الصورة لحظة، يقول.
غطى صالحاني الأحداث والمفاصل المهمة في الشرق الأوسط مثل الصدامات الأردنية الفلسطينية 1970 والحرب العربية الإسرائيلية 1973 والغزو التركي لقبرص والغزو الإسرائيلي للجنوب اللبناني 1978 والغزو الإسرائيلي للبنان 1982 وحصار بيروت وحرب الخليج وأصيب بجروح ثلاث مرات.
ظهر صالحاني في العديد من القنوات العالمية مثل سي ان ان والحرة وغيرها محللا ثاقبا ومميزا. سئل غير مرة في مقابلة تلفزيونية هل تؤمن بامكانية تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ اجاب:” عندما يصبح حبنا لأولادنا اقوى واكبر من كرهنا للعدو ربما يتحقق السلام”.وبرأيه ان الحرب ليست نتيجة بل هي اضافة للمشاكل الموجودة اصلا، وفي الحرب الأبرياء هم الضحايا والذين يدفعون الثمن.
ترك صالحاني ثلاثة كتب ورواية. كتب “من أيلول الأسود الى عاصفة الصحراء – صحافي في الشرق الأوسط” 1998. و”عندما نام العالم العربي – تأثير سنوات بوش على الشرق الأوسط” 2001 و”اسلام بلا حجاب” 2011 وفي هذا الكتاب كانت رسالته ان علينا استخدام الدين لنصل الى السلام، لأن الدين دوره مهم في الحياة وفي التطور وفي حركة العالم. وبرأيه ان التربية هي مفتاح للتغيير اذا ما فتحنا الأفاق للعقل فسنجد طريقة للعيش معا بسلام وبدون حرب. اما الرواية فكانت بعنوان ” يوم الإفتتاح” ومزج فيها قصص الإرهاب والتجسس والرومانسية .
كتب كلود صالحاني في آخر تقاريره “لدى مشاهدة الأحداث في الشرق الأوسط أشعر وكأنني أشاهد شريطا لأحداث قديمة يمر أمام عيني ولكن مع ظهور تطور مأساوي جديد في كل مرة”.
كان كلود صالحاني من ذلك الرعيل الذي يملك طموحا وآفاقا بلا حدود ومسرحه كل مكان في هذا العالم، ومن رأس بيروت الى باريس ولندن ونيويورك وواشنطن.
كان نتاج بيروت الكوزموبوليتية والتنوع والانفتاح.
كان من ذلك الجيل الذي عرف العولمة قبل ان يعرفها العالم ورفع من معايير المهنية والخبرة ليتقدم ويتألق ويحجز له مكانا مرموقا.
لاحق كلود صالحاني الحدث والصورة بالعين والكلمة والموقف وامام الكاميرا وخلفها كمن يرى الوهم والحقيقة والظلال، ومدركا ان كل تطور في هذا العالم سيرافقه المزيد من البؤس والشقاء والتردي.