عند فوز الشاعرة الأميركية لويز غلوك (Louise Glück) بجائزة نوبل للآداب عام 2020 قمتُ بترجمة مجموعة من قصائدها. ولكن لظروف متشابكة لم أنشرها في حينه. وها أنا أقدم بدءًا من اليوم وعلى التوالي على صفحات “ثقافيات” في كل مرة قصيدة من قصائد غلوك.
غالبًا ما توصف غلوك (المولودة سنة 1946) بأنها شاعرة السيرة الذاتية؛ عُرفت كتاباتها بكثافة المشاعر وبالنَهل مرارًا من الأسطورة والتاريخ والخرافات والحكايات القديمة والطبيعة، للتأمل في الاختبارات الشخصية والحياة العصرية.
صنَّف البعض كتاباتها بأدب الاعتراف، لأنها تحكي عن ذاتها وعائلتها وعلاقاتها، باستخدام صيغة المتكلم، أو الأنا، ولكن آخرين رأوا أنها، بذاتيتها، تعكس ذاتية كثير من البشر، وبالتالي ترفع الذاتي إلى العالمي، خصوصًا باستخدام تقنية إحياء الأساطير والنطق بأفواه شخصيات رمزية أخرى.
ركزت غلوك في كتاباتها على الجوانب القاتمة للحياة، الألم، الحزن، العزلة، الصدمات، الخيبات، الموت، الخسارة، الأحلام والأوهام، فمرَّرتها في مصفاة الشعر وسكبتها في تشكُّلات اللغة بأسلوب صريح لتحوِّلها إلى جوانب مضيئة.
وكتبت الشاعرة فيونا سامبسون (Fiona Sampson) أن “غلوك، من خلال كتاباتها، تؤكد أن تجربة المرأة يمكن أن تشكل نموذجًا إنسانيًا، بخلاف الاعتقاد الذي كان سائدًا بأن الكتّاب الرجال هم مَن يستأثرون بتمثيل التجربة الإنسانية والتعبير عنها. وبُروز غلوك كشاعرة على المستوى العالمي، يقول لأجيال مقبلة من النساء إن حياتهن تتسم بالواقعية والقدرة على تمثيل حياة جميع البشر، مثلها مثل حياة الرجال”.
إليكم قصيدة بعنوان “أسطورة ولاء”من مجموعة للشاعرة غلوك صدرت في عام 2006 بعنوان Averno، وهو اسم بحيرة في إيطاليا جعلتها الميثولوجيا الرومانية القديمة مدخلًا إلى العالم السفلي.وقد تناولت غلوك في هذه المجموعة مسائل النسيان والموت والروح والجسد والحب والعزلة، من خلال شخصيات من الميثولوجيا الإغريقية.
قصيدة “أسطورة ولاء” تصور مشهدًا متخيَّلًا عن “برسيفونة” ولكن من وجهة نظر “هاديس”. ففي الأساطير الإغريقية، خطف الإله “هاديس” “برسيفونة” ابنة ربة الزراعة “ديميتر” وحبسها معه في العالم السفلي، فراحت أمها تجوب الأرض باحثة عنها وهي تبكي حزنًا لفراقها. فحزنت الحقول لحزنها وجفَّت، حتى وافق “هاديس” على أن تزور “برسيفونة” الأرض بشرط أن تكون الزيارة لفترة محدودة ثم تعود إليه وتبقى معه في العالم السفلي للفترة المتبقية من العام، فكانت الفترة التي تقضيها “برسيفونة” مع أمها هي فترة الحصاد والمحصول، والفترة التي تقضيها مع “هاديس” هي فترة الجفاف والذبول.
***
(للشاعرة الأميركية لويز غلوك– ترجمة: نهاد الحايك)
عندما أدرك هاديس أنه أحب هذه الفتاة
بنى لها نسخة عن الأرض
كل شيء فيها مشابه تمامًا
حتى الروض،
ولكن بإضافة سرير.
كل شيء يشبه الأرض تمامًا
بما في ذلك ضياء الشمس
فمن الصعب على فتاة صغيرة
الانتقال بهذه السرعة
من النور الساطع
إلى الظلام الدامس.
فكَّر بإدراج الليل تدريجيًا
أولًا كظلال أوراق مرفرفة
ثم قمر فنجوم.
ثم لا قمر ولا نجوم.
فلأجعل برسيفونة تعتاد على الليل رويدًا.
وفكَّر أنها، في النهاية،
ستشعربالاطمئنان.
نسخة عن الأرض
ما عدا أن الحب موجودٌ هنا.
أليس الحبُ مبتغى كل شخص؟
انتظرَ سنوات عديدة
يبني عالمًا
يشاهد برسيفونة في الروض
برسيفونة ذواقةُ رائحةٍ وطعم.
وإذا كانت لك شهية واحدة،
فكَّر هاديس،
فلَكَ كلُ الشهيات.
ألا يريد كل شخص أن يشعر في الليل
بالجسد المحبوب
البوصلة
النجم القطبي
أن يسمع التنفُّس الهادئ الذي يقول
“أنا على قيد الحياة”
ما يعني أنك أنت أيضًا
على قيد الحياة
لأنك تسمعني
لأنك هنا معي.
وعندما يستدير الواحد
يستدير الآخر.
هذا ما شعر به أمير الظلام
ناظرًا إلى العالم الذي بناه
من أجل برسيفونة
ولم يخطر
في باله قط
أن لا رائحة هنا
وقطعًا لا طعم.
الذنْب؟ الرعب؟
الخوف من الحب؟
هذه أشياء لم يستطع تخيُّلها.
ما من عاشق يتخيَّلها أبدًا.
يحلم
يتساءل ماذا يسمّي هذا المكان.
يفكر أولًا في تسميته “الجحيم الجديد”
ثم “الحديقة”.
في النهاية
يقرر تسميته”صِبا برسيفونة”.
ضوء خافت يصعد
فوق الروض المسطَّح وراء السرير.
يأخذها بين ذراعيه.
يريد أن يقول “أحبكِ ولا شيء يمكن أن يؤذيكِ”.