لُبْنَـان!      

   

 

مِن سَنا الفَجرِ، حالِمًا في رُبانا،        مِن عُلَى الأَرزِ، شامِخًا، فَتَّانا

مِن جِبالٍ عَصِيَّةٍ حَضَنَتنا          وحَبَتنا عَزائِمًا صَوَّانا

فَرَدَدْنا عَنها البُغاةَ، فَعَزَّتْ،          وكَسَوْنا صُرُودَها عُنفُوانا

مِن سُفُوحٍ مُخضَلَّةٍ صاغَها الكَدُّ     ــــــــــ     كُرُومًا، قَمْحًا، جَنًى، سِندِيانا

مِن جِنانٍ مُعَلَّقاتٍ كَحَلْيِ الغِيْدِ     ــــــــــ     تَزْهُو على صُدُورِ قُرانا

مِن زُهُوِّ التَّارِيخِ، يَرفُلُ بِالكِبْرِ،         وقد عادَهُ، شَجِيًّا، صَدانا

مِن هُنا… مِن على شُرفَةِ المَجدِ     ــــــــــ     طَوَينا المَدَى، وقَدْمُوسُ كانا

ومَخَرنا العُبابَ فَوقَ شِراعٍ          نَقَلَ الحَرْفَ، فَارتَقَت دُنيانا

ما احتَوانا ضَيْمٌ، فَهانَتْ قُوانا؛         لا، وَلا سامِقُ الإِباءِ استَكانا

نَحنُ نَحيا على الزَّمانِ، سَراةً،          إِنْ قَحَمْنا الرَّدَى، كَسَبنا الرِّهانا

وتَضِيقُ الآفاقُ دُونَ رُؤَانا،         لَيسَ إِلَّا على الذُّرَى مَلقانا

نَحنُ، لِلفِكرِ، كم رَفَعنا صُرُوحًا          وزَهَونا، قَصائِدًا، وبَيانا

إِن يَطَأ ضَيفُنا الدِّيارَ فَلِلضَّيفِ     ــــــــــ     قِرانا، وحُبُّنا، ونَدانا

أَو تَهُمُّ العِدَى لِضَيْمٍ، وَثَبنا،         وسَعِيرٌ في عَزمِنا، ودِمانا

ونَشُكُّ الرِّماحَ تَرشَحُ مَوْتًا،          كُلَّما عاثَ ظالمٌ في حِمانا

ما رَضَخنا… سَلِ الصُّخُورَ(1) فَتَروِي،         تِلكَ آثارُهُم… سَلِ الشُّطآنا

إِن هَوَينا يَومًا، بِغَفْلَةِ عَقْلٍ،          جَأَرَ الأَرزُ، غاضِبًا، ونَهانا

فَرَجَعنا لِحِضْنِهِ الرَّحْبِ نُلقِي          في حَناياهُ، شَوقَنا، وهَوانا

لَيسَ إِلَّا بِيَقظَةِ القَلبِ، والرُّوْحِ،     ــــــــــ     خَلاصٌ مِنْ كُلِّ خَطْبٍ دَهانا

ما اغتَرَبنا إِلَّا وقد ضَاقَ عَيْشٌ          بِمُنانا، وعَن رَحِيْبِ مَدانا

كُلُّ شِبْلٍ، عن مَوطِنِ الأَرزِ يَنأَى،          أَرزَةٌ تَستَقِيمُ في ذِكرانا

لا يَنِي، عَينُهُ على الوَطَنِ الأُمِّ،     ــــــــــ     وإِنْ باتَ يَملُكُ الأَوطانا

مُؤْمِنٌ بِالإِيابِ، مَهْما تَناءَتْ          ذِكرَياتُ المَزارِ، والرَّبْعُ بانا

كُلَّما طالَ بُعْدُهُ هامَ شَوْقًا،         ولَكَم زادَهُ النَّوَى إِيمانا

وتَظَلُّ الدِّيارُ قِبلَتَهُ العُظمَى،     ــــــــــ     وتِلكَ الرِّياضُ مَهْدًا حَنانا

نَحنُ، في أَرضِنا، لَنا كُلُّ جَذْرٍ         حَضَنَ التُّرْبُ نُسْغَهُ، فَازدانا

ما ارتَضَينا لُبنانَ إِلَّا مَلاذًا          وجَنانًا سَمْحًا، وعِرْضًا مُصانا

أَخصَبَت، فِيهِ، بِالأَناجِيلِ، أَرضٌ،         وحَدا أَهلُهُ الهُدَى قُرآنا

نَحنُ رُوْحُ الشَّرْقِ المُتَيَّمِ بِاللَّهِ،          قُلُوبًا، بَصائِرًا، وِجْدانا

هل لِشَرقٍ قِيامَةٌ إِنْ تَهاوَتْ          عُمُدُ الحُبِّ، فِيهِ، والرُّوْحُ هانا؟!

أَيُّها الشَّرقُ نَحنُ خَمْرُ الخَوابِي،         إِن تَصُنْ خَمرَةً، لَتَغْنَ دِنانا

لا يَغُرَّنَّكَ الثَّراءُ، إِذا ما          خَضَبَ البِيْدَ ذِلَّةً وهَوانا

كُنْ، كَما كُنْتَ في عُهُودٍ وِضاءٍ،         فاتَها التِّبْرُ، عِزَّةً، إِنسانا

لا يُوازِي تَرَفُّعًا، مِنْ أَصِيْلٍ،         ما حَوَى الكَوْنُ، لُؤْلُؤًا، وجُمانا

كُنْ لَنا مَسْرَحَ التَّلاقِي، فَنَحْيا،         ما تَناءَت رُبُوعُنا، إِخوانا

لا تَجُرْ… إِنْ نَضِقْ بِظُلمِ قَرِيبٍ،          لَن يَرَى ذا القَرِيبُ مِنَّا الأَمانا

فَالتَّقِيُّ، الكَرِيمُ، إِنْ حاقَ بِهِ الضَّيْمُ،    ــــــــــ    لَأَضْحَى، مِن يَأسِهِ، شَيطانا

ما رَكَعنا بِالذُّلِّ، يَومًا، لِطاغٍ،          لا، وَلا غاصِبُ الدِّيارِ احتَوانا

وَقفَةُ العِزِّ عَهدُنا، لا نُبالِي           ولو انَّ الثَّرَى، بِها، وارانا

لَيسَ نَرضَى عَن أَجْرَدٍ مِن ثَرانا،           ما يُوازِيهِ، أَصْفَرًا، رَنَّانا

إِنَّ، في ذا الثَّرَى، عِظامًا لِأَهْلٍ           هِيَ ذُخْرٌ مَتَى الزَّمانُ ابتَلانا

نَحنُ، عَن شَحِّ أَرضِنا، بِغَوالِي     ــــــــــ     فِكرِنا المُستَنِيرِ، ما أَغنانا!

لَم نَزَلْ، عِندَ نُصْرَةِ الحَقِّ، دِرْعًا،          وبِساحِ الوَفاءِ نَبقَى سِنانا

واحَةٌ، نَحنُ، لا تَضِيقُ بِجارٍ          كُلَّما حاصَرَ اللَّظَى الجِيرانا

لَيسَ فِينا إِلَّا إِلى الحَقِّ تَوْقٌ،          وبِأَرواحِنا نَقِي لُبنانا!

***

(1): هي صُخُورُ نَهْرِ الكَلبِ، حَيثُ تَرَكَ الغُزاةُ والفاتِحُونَ، آثارَهُم، مُنذُ أَقدَمِ العُصُور

اترك رد