صدر حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب “مفهوم التحرر في منظار الثقافة النقدية الفلسطينية (1948 – 1994)“، من تأليف المؤرخ د. ماهر الشريف.
يأتي هذا الكتاب استكمالاً لمساهمات الشريف البحثية السابقة في حقل الدراسات الثقافية، وهو مبني بصورة رئيسية على منهج وصفي؛ إذ يتناول الكتاب عينة من المثقفات والمثقفين الفلسطينيين النقديين من مشارب متعددة، الذين أبدعوا في ميادين الفكر والتاريخ والأدبي، وانتموا بصورة عامة إلى مشروع منظمة التحرير الفلسطينية، لكنهم اتخذوا، وخصوصاً بعد التوصل إلى اتفاق أوسلو، مواقف نقدية من قيادتها، وإزاء عملية السلام وتداعياتها. وهكذا، رجع المؤلف إلى كتاباتهم لكي يعرض، استناداً إليها، ملامح خطابهم النقدي، ومواقفهم من مفهوم التحرر ومضامينه وسبل بلوغه. وينبه الشريف إلى أن اختيار هذه العينة من المثقفين والمثقفات لا يعني مطلقاً أن حقل الثقافة النقدية الفلسطينية اقتصر عليهم. ولذا، وجب التوقف عند عاملين ربما يكونان حكما عملية الاختيار هذه، أولهما، يتمثل في أن هذا الكتاب كان في الأصل ورقة قُدمت إلى مؤتمر “الثقافة الفلسطينية اليوم: تعبيرات وتحديات وآفاق”، الذي نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بالتعاون مع كلية الفنون والموسيقى في جامعة بيرزيت، خلال الفترة 22-24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ولقيت أصداء إيجابية استدعت العمل على توسيعها؛ ثانيهما، يتمثل في أن الحالات الدراسية التي اختيرت كانت قد توسعت أكثر من غيرها، بحسب رأي المؤلف في مقاربة مفهوم التحرر ومضامينه وسبل بلوغه، وكان على معرفة جيدة بنتاجها في هذا المضمار.
ينقسم هذا الكتاب، فضلاً عن المقدمة، إلى خمسة فصول وخاتمة، وثبت بالمراجع وفهرست الأعلام. يتوقف الفصل الأول في البدء عند تاريخ ظاهرة الالتزام بالثقافة الفلسطينية، ثم يعرض تصوُّر المثقف النقدي الفلسطيني لدور المثقف المجتمعي، وتمييزه ما بين “المثقف الهاوي” و”المثقف المحترف”، أو مثقف الاختصاص؛ ويسلّط الفصل الثاني الضوء على أهم ملامح الخطاب النقدي في الثقافة الفلسطينية، ولا سيما إبرازه خصوصية الهوية الفلسطينية، وتركيزه على جوهر الضعف الفلسطيني، وليس ظواهره؛ أما الفصل الثالث فيتناول مضامين مفهوم التحرر كما استوعبها المثقف النقدي الفلسطيني، وخصوصاً مقاربته ظاهرة الحداثة، على مستوى البنية الفوقية الفكرية والبنى التحتية المادية، ونظرته إلى تحرُّر المرأة، بصفتها قضية تهم المجتمع بأسره، ودعوته إلى ضمان الحريات الفردية والجماعية وتكريس الديمقراطية، باعتبارهما محور عملية التحرر؛ الفصل الرابع يركز على النقد الذي وجّهه المثقف النقدي الفلسطيني إلى المقولات الجوهرية التي تبنّتها الصهيونية، ويسلط الضوء على طبيعتها العنصرية، وعلى علاقات التحالف التي نسجتها مع القوى الإمبريالية، ويبرز تعامُل هذا المثقف مع ظاهرتيْ اللاسامية والتطبيع الثقافي؛ الفصل الخامس والأخير يتناول تصوُّر المثقف النقدي الفلسطيني لسبل حل الصراع الفلسطيني-الصهيوني، وذلك بعد أن يسلط الضوء على طبيعة هذا الصراع، ويعرض موقفه من اتفاق أوسلو، ومن عملية السلام التي أطلقها، ويقترح البديل منه، من منطلق معارضة هذا الاتفاق.
د. ماهر الشريف
رئيس وحدة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وباحث مشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت؛ له عدة مساهمات في حقل تاريخ الفكر السياسي الفلسطيني، من بينها: “البحث عن كيان: دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908-1993” (1995)؛ “قرن على الصراع العربي-الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟” (2011)؛ “تاريخ الفلسطينيين وحركتهم الوطنية” (2018)، بالاشتراك مع عصام نصار؛ “المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره” (2021).