عن حسن حمدان-مهدي عامل-هلال بن زيتون في اندفاعة الفيلسوف وحَرَج الشاعر

 

  د. شربل داغر

 

أتيح لي أن أدرس، في السنة الثانوية الأخيرة، في صيدا، على حسن حمدان (من مواليد 1937).

كان يُدرِّسنا مادةً ثانويةً في الامتحانات النهائية، عدا انها كانت صعبة، إذ تشمل دراسة : “المنطق” و”الأخلاقيات”…

ما كنا نفهم الكثير مما يقول، عدا ان الدروس كانت مقررة بالفرنسية، في وقت كنا نتعلم فيه “البلوغ” بكيفيات مراهقة ومشاغبة وسيئة.

اما هيئة استاذنا فكانت صادمة لنا، غير أليفة، بلحيته الكثيفة، وصنداله الجلدي…

أتيح لي، في سنوات الجامعة، أن أقرأ وأتعلم في كتب : مهدي عامل (وهو الاسم الحركي لحسن حمدان في مضمار الفلسفة).

كانت كتاباته صادمة بالمعنى المنشط للكلمة، ونادرة للغاية، فيما يميل كثير من المفكرين صوب الفكر… العملي (إذا جاز القول).

تعلمتُ منه ان هناك فيلسوفا فرنسيا (لوي ألتوسير) ينشِّط الفكر الماركسي بمفاهيم مجددة.

وتعلمتُ منه خصوصا لفظَين-مفهومَين يصاحبانني حتى اليوم : “قراءة”، و”إراءة”…

هذا لم يمنعني، حينها، عشية الحرب في لبنان، من أن أكون متشككا من فهمه ذي الاساس الأقتصادي المحض لفهم “الأزمة العربية”، إذ نسبَها (تحديدا وحصرا) إلى ازمة البورجوازية الكمبرادورية العربية…

اتيح لي، عشية احتفال الحزب الشيوعي اللبناني بأحد مؤتمراته، أن ألتقي بأستاذي، ولكن باسم ثالث : هلال بن زيتون.

دعانا كريم مروة، عضو المكتب السياسي في الحزب، إلى لقاء في بيته للمشاركة… كشعراء في امسية خاصة بالمناسبة. كان بين الحضور شعراء-طلاب من كليتي (محمد العبد الله، حمزة عبود، شوقي بزيع، وكاتب هذه السطور)، و”ناقد المجموعة” (كما كان يحلو له تقديم نفسه) : حسن زبيب (داوود).

وكان بين الحاضرين أيضا : حسن العبد الله، وعباس بيضون وغيرهم (من خارج الكلية).

طلبَ، يومها، مروة من هلال بن زيتون إلقاء قصيدة، فكان أن سارعَ الشاعرُ المكتَشَف إلى تلاوتها على مسامعنا.

ثم دعانا مروة (في نوع من التصرف غير الظريف مع بن زيتون) إلى أن نبدي رأيا فيها.

تمنعَ الشعراء تباعا من إبداء الراي فيها… وكان حظي أنني كنتُ جالسا بعد بيضون، الذي لم يتردد في القول : “هذه القصيدة، كان في الإمكان تفاديها”.

كانت “قفلة” موفقة وظريفة، بل ذهبتْ مثلا بعد وقت.

كنتُ في باريس، لما بلغتني الأخبار ان حسن حمدان اغتيل في بيروت (1987)، فيما بقيتُ كتبُه (بما فيها كتاب مطبوع من شعره) متوافرة.

لم أكن في عزاء أستاذي، إلا أن طيفه لا يفارقني، مثل سهراتنا معه، مع حكمت الصباغ (يمنى العيد)، وحمزة عبود، وحسن العبد الله، وزوجته الفرنسية، في بيته، في “حرش تابت”، قبل أن ينتقل إلى غيره إثر لعلعة رصاصات الحرب الاولى….

اترك رد