معرض الفنان مارون الحكيم “تحية إلى بلادي” في غاليري Art on 56th

 

 

دعت غاليري Art on 56th  إلى معرض الفنان مارون الحكيم “تحية إلى بلادي”.

الافتتاح الخميس 14 تموز 2022 ابتداء من السادسة مساء ويستمر لغاية 6 آب 2022.

دوام العمل: من الثلاثاء إلى السبت 11 صباحًا-4 مساء.

قدّم الفنان مارون الحكيم لمعرضه الجديد بالكلمة التالية المنشورة في الكاتالوغ المرفق بالمعرض.

 

أنا المجبول بتراب بلادي، لن أتخلّى عن التراب لن أتخلى عن بلادي.

ألملم أوجاعي الشخصيّة، أجمع أحزان بلدي القتيل. ألوذ بالحلم بالأمل بالصبر الجميل بالحكمة بالإرادة، وأمنع المأساة، أمنع الكارثة وخيبات الزمن، من تحقيق الفوز عليّ.

الجراح ثخينة، الدروب حالكةٌ مقفلة، والوحوش تقضم جسد المدينة وتجثم فوق أنقاضها.

يطيب الجرحُ ، يهدأ البالُ ، أرتّب ُالأحزان، أستحضِر المساحات الملوّنة  وأبدأ بترميم وجه الأرض، معلنًا السلام، رافعًا رايته، بحثًا عن ضوءٍ، عن جناح ٍ عصفور، عن وردةٍ تفوح من تأوهات الركامِ.

قبل الانفجار الكبير، قبل تدفّق براكينه، كانت طبيعة بلادي ساحرة، مُلهمة، مضيئة وهادئة.

رسمتها ولونتها كما لو كانت ينابيع نور وفرح:

متغزلا بغيوم ربيعها والصيف، بدفء ثلوجها، بحماوة القرميد، بسكينة الأرض بعد مواسم الحصاد وقطاف الزيتون.

مستمتعًا بشروق شمسها والغياب، بلياليها المُقمرة، متبصّرًا بجبالٍ تحرس السهول، بسكونها، بحوارها مع السماء، بسحبها تغازل الضباب، وبشمسها تفرّ عند المغيب، لكنّ على وعد الإياب.

أرضُنا أمنا من حلاوتها أبتكر البهاء، أوجاعها آلام أمومة، ارتعاشاتُها  محرّضة على ولادات الخلق.

تتسم أعمال هذه المرحلة بألوانها الزاهية وأنوارها الساطعة. تتميّز بكثافات لونية وتقميشات مختلفة في الملمس الحسي والبصري، وبمساحات تدعو إلى البهجة والزهو، في ابتهالات الفصول وتبدّل مناخاتها بين شروق وغروب، وفي التقاط غوايات الضوء وشهواته.

فجأة، ودون إنذاراتٍ مُسبقة وبسبب غضب ٍ غامض، تتلاشى الأحلام: ينسحب النور، تسودّ الآفاق، فتتطاير المدينة. يعمّ ركام العتمة،  والموت يحصد جموعًا من الأحباب في بلادي. تختلط الأجساد مع الأبواب والشبابيك والحجارة والغبار والعتمات، والدروب كلها تقود إلى المجهول إلى الظلمة الماحِقة.

يصير الأمل سرابًا أمام رُكام المدينة المستسلمة ومداخلها الغاضبة. تتلاشى الأحلام فوق الأنقاض، في سقطة الخيبات وعتمات الطرق وقعر الهاوية.

في هذه الحقبة تتجمد أحاسيسي، تتيبّس قدراتي الإبداعية وتُشلّ رغبتي في صوغ إشاراتٍ تنبئ بأعمال فنيّة تجسّد هول المأساة.

في صراع التأمّلات والهواجس والمعاناة، في مرارات الفجيعة وأهوالها، تنتظر فرشاتي وملوانتي وأزاميلي حلول اللحظة التي تقودني إلى الورقة البيضاء إلى القماشة إلى الحجر.

… وحين يهدأ روع العواطف والعواصف، حين تجمّع أرض الرماد أوجاعها، لتعلن أنها أرض سلام وحبّ في زمن الحروب، وحين تقرر الانتفاض من كبوة خيباتها ورتق جراحها، وحين تتسلّح بالأمل بالرجاء كي لا يمسي الوطن مقبرةً أو منفى، أسترجع عافيتي الإبداعية  وأقرر التعبير باللون بالحركة عن هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا، لكنّ من دون تشنّج، من دون مباشرة، تاركا لأحاسيسي الفنية أن تؤطّر لهذا الحدث الجلل أعمالا تبقى شاهدا جماليا هادفًا.

في هذا القسم من الأعمال يتحول الموضوع من الريف إلى المدينة بأبنيتها وركامها. أركز على البعثرة في الأبنية وما تحتويه، وعلى مساحاتٍ تضيق، وتعتصر ذواتها بألوان  كامدة ينخرها تبعثر فتحات الأبواب والشبابيك والتحطّمات، موحية ّ بالخراب والتشظي. لكأن وراء كل ثقب منها عينًا لبشريّ يشهد على الفجيعة وأهوالها.

من قلب هذا الإعصار يتسلّل الأمل إلى هذه العتمة، موسعًا المجال لبعض الضوء كي ينفح الرجاء والقيامة في روح الوطن ومكوناته، في نظرة تفاؤلية بغيتها تبريد النفوس وتهدئة الاحتقان، علّ اللحظة الجماليّة والإنسانيّة هذه، تكون فرصتنا السانحة لبدايات جديدة.

اترك رد