صدر عن مشروع د. جميل الدويهي أفكار اغترابية للأدب الراقي البيان التالي:
من الأمور التي تُفرح في أدبنا المهجريّ، أنّ مشروع “أفكار اغترابيّة” منذ نشأته في العام 2014، حرّك المياه الراكدة، ووضع أسس نهضة اغترابيّة ثانية، لا تقتصر على الشعر، بل تتعدّى إلى أنواع أخرى لم تكن معروفة في أستراليا، حتّى في الشعر نفسه.
وتشكّل الرواية رافداً نثريّاً مهمّاً، في أيّ نهضة ممكنة، كما يشكّل الفكر رافعة أساسيّة لأدب الاغتراب. ويحقّ لأفكار اغترابيّة الذي يضع أعماله في عين الشمس، حقيقة ساطعة، أن يفتخر بأنّه شقّ طريقاً للباحثين والدارسين لأدب متنوّع مختلف عن طريق المقارنة التي هي مقياس للعلم، والأهمّ أنّه أنتج أنماطاً أدبيّة، ونشر عشرات الكتب، وهو ما تعجز عنه وزارات ثقافة، لا مؤسّسات فقط. ونحن نعتبر أنّ العمل والتضحية والجهد والكرم والإقدام، هي الأسس في كلّ مشروع، وعندما تصبح المقارنة عمليّة حسابيّة معترفاً بها، من غير تعنّت وعناد، يصحّ الصحيح ولا شيء غيره. ولأنّنا درسنا النقد ودرّسناه، لا نعجز عن فهم أشياء كثيرة تدور في مجتمعات الأدب، بيد أنّنا لا نلوي على شيء، بل نتابع الطريق إلى مزيد من العطاءات التي لن يوقفها ضباب ولا ظلام.
وفي رحلتي مع الأدب، أعتقد أنّ كتابتي الشعر العموديّ، وشعر الزجل، والشعر المدوّر، وشعر التفعيلة، والشعر المنثور، والتفعيلة العامّيّة، والنصّ العاميّ الشعريّ… كلّها لا تكفي لنهضة اغترابيّة، وإذا كان هناك من يتباهى بالشعر، فهذا حقّ له، والشعر مبارك من قبلنا… أمّا الأدب الذي يطير بجناحين، فيحتاج إلى النثر . وليس من نهضة أدبيّة في أيّ مكان ترتفع بجناح واحد. كما لا يمكن في الوقت نفسه إطلاق صفة أديب على مَن لا يعرف كتابة الرواية، ولا القصّة القصيرة، ولا الفكر. وهذا الحكم ليس من عندنا، ولا جئنا به من منازل أهلنا، بل هو من كتب النقد، ومن تجارب الأمم. فتقييم الأدب ليس سلوكاً ميليشياويّاً، قمعيّاً، فرضيّاً، ولا هو بمنع المقارنة ورفضها، ولا بتحييد الأنظار عن المشهد المضيء… ونرجو من النقّاد أن يأخذوا هذه الحقيقة بعين الإعتبار، كما نرجو أن يتعاطى بالنقد أهل النقد فقط، ومن غير تحيّز أو عنصريّة. فكتابة قصّة قصيرة واحدة تستغرق من الوقت والجهد أكثر ممّا تستغرقه عشر قصائد، واكتشاف فكرة للقصّة القصيرة غير مطروقة من قبل تتطلّب إجهاداً فكريّاً ومعاناة، ولولا ذلك، لكتبنا كلّ يوم قصّة قصيرة، كما نكتب كلّ يوم قصيدة من أنواع مختلفة. أمّا كتابة رواية واحدة، فتستغرق تعباً ومعاناة أكثر من ألف قصيدة. والذين يكتبون القصّة يعرفون هذه الحقائق، أمّا الذين لا يكتبونها فكيف لهم أن يعرفوا، أو أن يحكموا على حالة الأدب في أيّ بيئة يعيشون فيها؟
إنّ كتاباً فكريّاً مثل “المجنون” لجبران خليل جبران، أهمّ في نظري من معلّقات شعريّة… وأستغرب كيف يحكم بعضهم على أديب من خلال شعره فقط؟ فهل هؤلاء يعرفون النقد ليحكموا؟ وهل هم فعلاً مقتنعون بأنّ حكمهم صحيح؟ وهل الذي يتجاوز قمماً في النثر، ليتحفنا بنظريّات عرجاء، يقول الصحيح؟ أم يريد أن يثبت أنّ الذي طار عن الجبل ليس من الطيور، فقط من أْجل النكاية والتشبّث بالرأي؟
لقد نُشرت عدّة كتب عن النهضة الاغترابيّة الثانية، التي واكبتها المحبّة والصدق والأعمال المعروضة في عين الشمس، وإن يكن هناك من يرفضون الرؤية، فذلك أمر يؤسف له، في مجتمع يفترض به أن يكون قدوة في الحكم الرصين والقائم على قواعد مفهومة. ومن واجبي أن أشكر جميع الدارسين والكتّاب والأكاديميّين الذين يقدّرون الأدب الرفيع، ويعرفون معنى العطر في الوردة، فقد غمروني بأفضالهم، ونشروا في الأصقاع فكرة نبيلة أردناها لخدمة الحضارة والإنسان. وقريباً سينشر أفكار اغترابيّة كتاباً مهمّاً جدّاً، عن دور الرواية وحدها في النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع. ويناقش كتاب الأديبة كلود ناصيف حرب أربع روايات صدرت لي حتّى الآن، إحداها نشرتُها باللغة الإنكليزيّة. وهذه المرّة الأولى -بسب معرفتي- التي ينشر فيها أديب واحد في أستراليا أعماله باللغتين، ومن خلال ترجمته الشخصيّة. وتنكبّ الأديبة حرب على نقدها الانطباعيّ، وتقوم بدور المحامية التي تثبت بالحجّة والبرهان أنّ أفكار اغترابيّة، حمل علم الريادة في مجموعة غير مسبوقة من الأنواع، ترفدها الرواية، وهي أصعب الأنواع الأدبيّة على الإطلاق.
إنّ كلود ناصيف حرب شاهدة على الحقّ، وفي محكمة العدل تضع المقارنة على الطاولة، وتعلن للملأ أنّ مسيرتنا متواصلة، لا توقفها رعود، ولا تمييز، ولا جهل في إطلاق الأحكام، ولا صراخ من الماضي السحيق.