قراءة  قي رواية “حبيبتي مريم” للروائية هدى عيد

 

 

 

   عفيف قاووق

 

صدر مؤخراً عن دار الفارابي رواية “حبيبتي مريم” للكاتبة د.هدى عيد، والتي قُدمت بأسلوب سردي رشيق وقاربت في مجريات أحداثها الكثير من القضايا التي تعصف بنا منذ أمدٍ غير بعيد.ولم تعهد الكاتبة بمهمة الرواي إلى شخصٍ بعينه بل إعتمدت تقنية تعدد الرواة مما أضفى عليها لمحة من التشويق والترقب وأفردت لكل راوٍ من هؤلاء المساحة الكافية والمطلوبة لإيصال ما يعرفه والإفصاح عن مكنوناته إنطلاقا من حدثٍ تعرض له، هؤلاء الرواة هم أفراد عائلة غريب جوال وولديه حكيم وجودي إضافة إلى زوجته –المتوفاة- مريم.أما الحبكة الرئيسة للرواية تمثلت في ذاك القرار المُستهجن الذي إتخذه الزوج “غريب جوال” وهو إصراره على فتح قبر زوجته لمعرفة السبب الحقيقي لوفاتها أو مقتلها.

مدخل الرواية أُسند إلى الإبن حكيم، الشاب الذي هاجر من بلده قاصداً بريطانيا بقصد التعلم والعمل هناك، ويقول في إشارة إلى ان غالبية الشباب اللبناني يعاني من عدم توفر فرص العمل الحقيقية في الوطن الأم، “ما دامت بلادي ترفض أن تتطوّر، أو أن تتيح لي الفرصة لأمارس فعل التّطوير على أراضيها، فلأقم بالأمر على أرضٍ غريبة، وفي بلاد لا تشبهني.(ص44).سلطت د.هدى عيد الضوء على بعض القضايا التي تحكم واقعنا الاجتماعي وحتى السياسي، في محاولة لتعريتها وإظهار مواطن الخلل فيها، وسنحاول قدر المستطاع الإشارة الى هذه القضايا.

مثلاً في موضوع التعصُب الديني أو المذهبي نجد دعوة صريحة للتسامح والتلاقي فالدين معاملة أكثر من كونه مجرد طقوس وعبادات، تقول مريم مخاطبة إبنها حكيم،”دعكَ من المكان، الله موجود هنا مشيرة إلى جهة القلب، فإن لم يكن فلن تجده في مسجدٍ أو كنيسة(ص19). وأيضا أضاءت الرواية على فكرة الزواج المختلط من خلال زواج جودي المسلمة من دانيال المسيحي بمباركة أمها مريم التي قالت لها،”ما دام إنساناً حقيقياً والله يُقيم في قلبه فزواجكما مبارك بإذن الله، فالزواج لقاء أرواح  من قبل أن يكون لقاء أجساد (ص193).

ولكي لا ننسى لم تشأ الكاتبة إغفال المآسي والأزمات التي نعيشها  مشيرة إلى الوضع الاجتماعي والإقتصادي وفقدان أبسط مقومات الحياة والخدمات، وقد عبّر غريب جوال عن ذلك متوجها إلى إبنه حكيم بالقول:”إتحاد وباء كورونا وإنفجار المرفأ، واستشهاد صهرك دانيال، خلق مسخاً مقيتاً أقام في بلادنا وفي صدورنا،وصار يتحكم في كل شيء، كل الأسعار تُحلق،الكهرباء مقطوعة والمياه ملوثة، الدواء بات حكراً على الميسورين وأموالنا محتجزة في المصارف، وبشرٌ يكدسون الأموال وآخرون يرتمون في أحضان الفقر فبئسَ شعب يبيع وطنه لتاجر (ص51).

وفي جانب آخر ولإبراز المماطلة في تحقيقات تفجير المرفأ وما آلت إليه أحوال عائلات الضحايا الذين لا زالوا بإنتظار الحقيقة والعدالة التي تقف الحصانات والمحسوبيات حائلاً دون تحقيقها  يقول غريب جوال مخاطباً إبنته جودي التي فقدت زوجها في ذاك الانفجار:”لن تصلوا إلى شيء صدّقيني،كُفّي عن تعذيبنا وعن تعذيب نفسك، هذه أرض تلوك الحقائق وتبتلعها كغول، من يسترد يا حبيبتي مفقوداً من بطن غول؟(197).

إيماناً منها بدور الإعلام ورسالته،أسندت الكاتبة لمريَم وبصفتها الإعلامية مهمة فضح المستور لتكون رأس حربة في محاربة الفساد القضائي والسياسي، ” أرجوكِ يا مريم أكتبي تاريخ هذا المجتمع (الراقي) لأن كل هذه القذارات يجب أن تُدون وان تتعلمها أجيال تلو أجيال حتى لا يرتكب أفرادها مثلها أبداً.(ص142). وكيف ان القاتل الذي قتل زوجته الثرية لم ينم في السجن أكثر من ليلة واحدة في حين ينام بعض الأبرياء سنوات في سجون متعفنة من قبل أن يتم إستجوابهم (148).

كما أن مريم قامت بحملتها على الجمارك وفضحت إتفاق رجالها مع المهربين والمتنفذين وتعاطيهم الرِشى، وبدأت في كتابة المقالات وتعرية هذه الفظائع مذيلة مقالاتها بعبارة “سعادته في الجحيم طبعاً” وهو لقب يمكن أن ينطبق على أي من المسؤولين مهما علا شأنهم أو صغر، وسعادته هذا كان يتصرف في مقدرات البلد وخيراتها وهو شريك أساسي وحُكمي في كل الصفقات والتسويات، يتقاضى من أثرياء البلاد مبالغ طائلة، يتاجر في كل شيء ويمتلك العديد من العقارات والأراضي (ص173).

ويبدو أن مريم شأنها شأن بقية زملائها من أصحاب الأقلام الحُرّة قد أزعجت سعادته فأرسل في طلبها متظاهراً برغبته في إجراء حديث صحفي معها ولكن في حقيقة الأمر كان الهدف من تلك الدعوة تأنيبها وتهديدها بشكل يصل الى حد التخوين وهي التهمة الرائجة هذه الأيام، يقول لها:”الوثائق التي بدأتِ بكشفها بدأت تزعجني فعلاً،هل تعتقدين أنكِ ستفلتين بفعلتك هذه يا إبنتي؟ لقد بدأت أشك في وطنيتك، هذا أمر خطير يا مريم  وعليك أن تكوني حريصة تماماً ومؤكد أنك تستوعبين ما أقوله لكِ(ص175).

زيارة مريم لسعادته كانت الأولى والأخيرة، وكانت السبب في محوها من الوجود وهذا ما دفع بزوجها غريب جوال لإعادة نبش قبرها لمعرفة سبب الوفاة الحقيقي، ليفاجىء بأن القبر فارغ والكفن لا يحتوي على جثتها.

هذه المفاجأة او النهاية التي انتهت اليها الرواية تجعل القارىء يتساءل هل تكون مريم هي الرمز  للوطن بأكمله الذي جرى إختطافه ولا زلنا في دوامة البحث عنه ؟ ام ان مريم ترمز الى الحقيقة التي أخفيت تهرباَ من إحقاق العدالة؟ لكن يبقى الأمل قائماً فكما ورد في نهاية الرواية، ” ليس صحيحاً أن كل الحقائق تموت،فبعضها سيحيا، وسيُحاسب مُرتكبٌ في يوم ما.وقد تغفل عدالة أرضية ملتبسة لكن عدالة سماوية حقة لا بد أن تكون.(ص230).

ختاماً نجدد الشكر والتهنئة للكاتبة هدى عيد على هذه الرواية الحيّة التى لامست في جوانبها معظم يومياتنا، كما وانها تحتمل العديد من الأراء والقراءات المختلفة التي دون شك ستكون قيّم مضافة للرواية.

اترك رد