“أَكتُبُني… حين أحببتَني”… تقاسيمٌ لسحر حيدر على إيقاع عبور إلى ذاتها الأخرى

 

  ميراي شحاده حداد

 

مداخلتي في احتفالية توقيع كتاب د.سحر حيدر وافتتاح معرض عشرة عمر للفنانة التشكيليّة زبنب دندش، في الثاني من حزيران 2022 في متحف بيت بيروت.

 

مساؤكم سِحرٌ في سَحر وزينبٌ وأخواتُها في عَشرةٍ وعِشرة عمر!

وأهلاً وسهلاً بكم أحبّتي في هذه المأدبة السامية بين أسرة لقاء ومنتدى الكورة الخضراء تطيب معكم الأماسي ويحلو اللقاء!

“أَكتُبُني… حين أحببتَني”. ما هذا الإنزياح الخطير سيّدتي في محور الوعي الوجودي؟ هنا، عنوانٌ كبيرٌ جدّا تُبنى عليه دراسات فلسفيّة، بسيكولوجيّة لا بل ميتفيزقية العشق بطريقة لم يكتشفها أحدٌ سواك! 

حين قال ديكارت، أنا أفكّر إذاً أنا موجود، أسّس لمنهجيّة الشكّ في كلّ شيء. أمّا أنت، فأتيت ونقضت الشك بوجود فعل حبّه لك لتأكّدين فعل كتابة ذاتك وسبر أغوارك واكتشاف مكامن المحار المخبوء لديكِ!

فعلى مصراعيها، شرّعتِ للريح أفلاك السفر، السفرِ إلى الداخل، وكأنّ بعضَك يفتّش عن بعضك الآخر! وأنتِ، تستريحين بين البعضين والبعدين، الإحتراق والإرتقاء، يواصلُ قلمُكِ نزف الدم في استراحة الحبر معيداً تجميل ما أفسدته الحياة في وهنها وفوضى انكساراتها، معيداً رسم امرأةٍ صدّعتها حروبٌ ذكوريّة! وهنا، تُدهشينني وبالرّغم من كلّ شيء قاتم، فرئتاك مملوءتان بهواء حرّ، تتّشحُ أوراقك البيضُ بمساحاتِ ليلٍ ومطر وبيباب وفراغ وإعصار من القبل…

شوقك عقيمٌ ربّما لهذا الوالد الراحل وهذه الأم المتوارية خلف السحاب أو لذاك الرجل الأيهم! ولكنّك تؤكّدين قائلةً:”هناك رجلُ يقبعُ في الذاكرةِ، حتى آخرِ نفسٍ يرفضُ القلبُ تسليمَه للنسيان!” 

ما هذه التقاسيم ، وكأنّها صوفيّةٌ في جدليّة تكوينها…أضدادٌ في التحام المعنى وتوازنٌ  جيولوجيّ في المبنى والتئام سطور أنفاَ عن الركام المتجذّر في القلب وأنفاً عن نواقيس الوجع التي تحفرُ أخاديدها على صفحات قلبك وكتابك.

تقاسيمٌ على إيقاع العبور إلى ذاتك الأخرى، هكذا هي نصوصك الساحرة! كسجّادة عجميّة أتقنتِ حياكتها بخيوط الألم والأمل، وحمّلتِها في عربات صدى امرأة لم يصدئها الزمن، عرباتٍ تعدو في ثلاثيّة الأبعاد إلى الأعماق وإلى الآفاق وإلى العلياء من دون فرامل أو كلل.

هي نصوصُك، استوطنتِها واستوطنتكِ

 بين يقظة الوعي وحلمٍ مستحيل، بين أنشودة ودهشة، بين الهو والهي…بين احتضان شهريار في ضجيج صمت شهرزاد، كتبتِها مزركشةً بحكمة وحزن لا حدود لهما.

سحر حيدر، شرف لمنتدى شاعر الكورة الخضراء أن يكون إصدارُك هذا من رحمه الثمين يحمل الوشمَ الخامسَ والعشرين. وجميلٌ جداً أن تحوّلَ شاعرةٌ أديبةٌ مثلُك شحوبَ الزمن وأدغال الغربةِ إلى حكايا خالدة أسرجتِ فيها وبها فرح الكتابة وأتقنتِ معها الإصغاء لموسيقاكِ  السرّية وتماهيتِ مع هيولى وجودِك الأكبر، لتردّد معك نساءُ الدنيا لرجالٍ يعشقونهنّ: أَكتبُني …حين أحببتني!

والأرض تدور والحبّ يتّسع لفضاءات كثر! 

هناك انحسارات ربّما ولكن من نواتنا نطلّ من أدنانا على الأعلى.

لا فرار من الوجع، لا فرار من الأرق ولا فرار من الموت…هنا تكمن الحياة ويكمن الإبداع تماماً كما أبدعت السحر في فكّ رموز القدر وتحويل الماء إلى خمر في خوابي عطر كلماتها، أمسكت يراعها، وعلى مرآتها شرعت تكتب وتحيلُ غسقَ الدجى إلى لمعة الفجر.

مبارك مولودك د.سحر وإلى حب وعشق وكتابة جميعنا فلنستدر! 

اترك رد