سألني أحد الزائرين يوماً: إلى أيّ دين تنتمي؟
فقلت له: إنّ الديانات تبطل إذا كانت سبيلاً للفرقة بين الناس، فهل أنت تفرّق؟
قال: لا. لم أفرّق يوماً، ولم أدعُ إلى الاختلاف.
قلت له: أنت من طائفتي وأنا من طائفتك. فلا ينبغي أن تسأل أحداً عن القشور التي لا أهمّيّة لها.
وسألتُ الرجل: إذا كنتُ في صحراء، وأشكو من الجوع والعطش، وكنتَ أنتَ في خيمة ورأيتَني منطرحاً على الرمال الحارقة، أفلا تخرج من خيمتِك على عجل لكي تنقذَني من الموت؟ وهل كنتَ تسألني: مَن أهلي وعشيرتي؟ وإذا كنت أعبد الله أو الحجر؟
فكّر الرجل هنيهة وكأنّه يتصوَّر المشهد الذي رسمتُه في خياله، وقال: نعم أيّها الكاهن، كنتُ أخرج من خيمتي وفي يديَّ خبز وماء لأطعمك وأسقيك. وما كنتُ سألتك: مَن أنت؟ لأنّ حياتك عندي أغلى من كلّ شيء.
فرحتُ بكلام الرجل، وقلت له: طوبى لكَ أيُّها المؤمن الشجاع. إنسانيّتُك هي دينُك.
هذه العبارة الأخيرة التي تفوّهتُ بها في ذلك اليوم، نقشتُها على حجر، وجعلتُها فوق باب المعبد لكي يراها الوافدون ويتمعّنوا فيها. وما تزال إلى الآن شاهدة على معرفتي وصدق إيماني بإله واحد هو إله البشر جميعاً، ولا يمكن لأحد أن يمتلكه.
(تأملات من صفاء الروح, ص 6)
***
*جميل الدويهي: مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي النهضة الغترابية الثانية – تعدّد الأنواع