هـذا أبــي

 

غسّان مطر

 

العصافيرُ صَدَّاحةٌ

والنَدى يغمرُ الوردَ

والأرضُ تنهضُ من نومها،

تتثاءبُ،

تتلو صلاةَ الصباحْ

جدّتي تُوقدُ النارَ،

تشربُ قهوَتَها

وعلى رأسِها يتهادى الوِشاحْ

كنتُ طفلاً

وقريتُنا شَجَرٌ باسقٌ،

وبيوتٌ تزنّر خصرَ الكنيسة،

تحرسُها،

وحقولٌ فِساحْ

ورجالٌ يهبّون مثلَ البيارقِ،

يمتشقون معاوِلَهم

كلّما الفَجرُ لاحْ

كنتُ طفلاً

ومَدرستي جارةُ البيت

والعِلمُ نُورٌ

وهَمّي الرضا والنجاحْ

وسمعتُ الحكايةَ عن ثائرٍ

أعدمتهُ الشياطينُ

حين دعا شعبَه للكفاحْ

قلتُ: هذا أبــي

وكبرتُ سريعاً

وخلفَ دِماءِ أبي سِرتُ مُستنفِراً

وحَمَلتُ السلاحْ

وقرأتُ الكتابَ

فأدهشني وطنٌ شاهقٌ في الزمانِ

ولكنهُ مُثخَنٌ بالجِراحْ

قَطَّعَتْهُ يدُ الطامعينَ

فباتَ شهيدَ غرائزهم

وارتوى الحقدُ من دمِهِ المُستباحْ

قلتُ: نحنُ الفدا، سوريا،

غير أنّ “الأنا” شوّهتْ روحَنا

فنسينا الينابيعَ

وانكسَرتْ في الطريقِ الرماحْ

وغَدَونا يتامى،

فأدرَكَنا يا أبي صوتُك النبويُّ

فعُدنا إليك،

وها نحن بين يديك،

نردّد: نحن الفدا سوريانا

ونطلب منك السماحْ

وَعْدُنا أن نكونَ

كما شِئتنا أن نكونَ

ولو عانَدَتْ عاتياتُ الرياحْ

وعلى اسمِكَ نمضي إلى حقّنا

شامخين

ونزرعُ في عتمةِ الليلِ

شمسَ الصباحْ.

 

***

* نصّ القصيدة التي ألقاها الشاعر غسّان مطر في حفل إعلان نتائج جائزة أنطون سعادة الأدبية.

اترك رد