مجلة “رِباط الكتب” في عددها الجديد: قراءات في مؤلفات حول تاريخ المغرب في بداية العصر الحديث وملفات وتقرير المعرفة العربي 2011

ribat al koutoubصدر العدد 14 من “رِباط الكتب” (مجلة إلكترونية متخصصة في الكتاب وقضاياه)،  يضم ملفاً حول أحمد المنصور الذهبي وقراءات في كتب تهم الأدب والفلسفة والتاريخ. قدم للعدد د. أحمد إدعلي (كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكادير)، وجاء فيه:

تواصل مجلة رباط الكتب وشمها الممتع متأبطة عنادها ومسلحة بجرعات الأمل في انبلاج فجر معرفي يبدد سديم الركود الثقافي وينأى عن ثقافة تبضيع المعرفة، ومتطلعة إلى استثارة بهجة وشغف القراءة وإشعال أوار النقاش وتخصيب الرؤى حول قضايا الفكر، وتزايد أعداد المتحلقين حول موائد الكتب. وحرصاً على الوفاء بالتزام تقديم مادة علمية رفيعة  ومنوعة، تستنفر أسرة المجلة جهدها لإمتاع العموم بقراءات تختلف من حيث موضوعات الاشتغال وطرائق المعالجة وحجم الاكتناز.

 تقترح عليكم أسرة المجلة في البدء نصوص محاضرات تغطي حقولا معرفية مختلفة وتتسم بكثافة المضامين وعمق المطارحة. تندرج تلك المحاضرات في إطار برنامج الشراكة بين رباط الكتب و”مؤسسة مسجد الحسن الثاني” بالدار البيضاء. 

يتضمن هذا العدد ثلاث محاضرات. تعكف محاضرة نور الدين العوفي على نسج القسمات العامة للخطاب الاقتصادي المغربي ورصد البنية النظرية والأدوات المنهجية الناظمة للسياسات العمومية بشكل عام، وللسياسات الماكرواقتصادية على وجه الخصوص.

وقد اقترح المحاضر ثلاثة مداخل للتحليل. يتعلق المدخل الأول بالمفاهيم المتداولة في الخطاب الاقتصادي. فبعد هيمنة فروض المقاربة الاقتصادية النيوكلاسيكية وسطوة أو كثافة تداول قاموسها في الخطاب الاقتصادي، أفضت التحولات العميقة التي شهدتها نهاية القرن العشرين إلى “استدخال” تلك المقاربة لمفاهيم جديدة تنهض على أسس إبستمية مختلفة. وانصرف المدخل الثاني إلى تناول سياقات تشكل “فكر” اقتصادي مغربي، حيث رصد ثلاثة سياقات. وفي المدخل الثالث ركز المحاضر على أكثر الأدوات القياسية (المؤشرات) تداولا في الخطاب الاقتصادي، والمعتمدة في بلورة وتقدير وتقويم نتائج الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية.  وانفتح المحاضر في الختام على بعض اتجاهات “المقال الاقتصادي في الزمن المنظور”.

واستهل عبد الأحد السبتي محاضرته المعنونة “التاريخ والثقافة الشفوية”، بحزمة استفهامات من وحي سجال احتدم على أعمدة بعض الصحف بشأن حدث معين. استفهامات ترتبط بالثقافة الشعبية وسبل التعاطي مع الذاكرة الشفوية و”التأريخ بالحدث”. ففي مسعى لتجاوز أعطاب المقاربة النخبوية التي تحقر الثقافة الشفوية والمقاربة الشعبوية المفرطة في تمجيد تلك الثقافة، اقترح الباحث رؤية بديلة تنهض على التمييز بين مستويات ثلاث، “التاريخ الشفوي، والتراث الشفوي، والتأريخ بالحدث”.

وترمي ورقة سعيد يقطين إلى مأسسة علاقة الكتاب بالوسائط المتفاعلة، وتتناول شروط نجاحه في القيام بمهمته في إنتاج وتلقي المعرفة. و تقارب سؤال كيف يمكن أن يكسب الكتاب الرهانات المختلفة المطروحة عليه في ظل وجود أشكال جديدة للتواصل. إن الورقة تدعو إلى تجديد التفكير في الكتاب واستثارة النقاش حوله على نحو يتلاءم وتحديات العصر. وقد صاغ الباحث ذلك الهاجس بنفس استفهامي، حيث ساق مجموعة من الأسئلة  ترتبط بصيغ الانتقال أو العبور إلى الكتاب الإلكتروني والرقي بكيفية الإنتاج والتلقي وخلق عادات تلقي المنتوج الجديد. وقد اختار المحاضر معجم “لسان العرب” لابن منظور موضوعا لمقاربة تلك الاستفهامات.

ويتضمن هذا العدد أيضا ملفين اثنين. أعد محمد زرنين الملف الأول الذي يتضمن قراءتين في تقرير المعرفة العربي لسنة 2011″.  يخوض عزيز لزرق في قضايا بالغة الأهمية تتصل برصد سياق الانتقال من “إنسان المعرفة” إلى “مجتمع المعرفة”، ومن سؤال المعرفة باعتبارها “سؤالا وجودياً” إلى اعتبارها “سؤالا حيوياً”، ومن سؤال “ما الذي ينبغي معرفته؟” إلى سؤال “ما أهمية ما نعرفه؟”. كما استنفر الباحث جهده بغية تعرية المفارقة التي تجوهر عنوان التقرير والكشف عن أعطاب الإطار النظري والمنهج المعتمد وإبراز عيوب التضارب الملازم للنتائج  والانكفاء على نفس استعراضي وتوصيفي  مقابل غياب الجهد التفسيري والوقوع في فخاخ العمومية والتسرع والتبشير وأحكام القيمة والاختزال وعدم توخي الدقة ووجود فراغات تتخلل مساحات التقرير. وختم بعرض فرضية تفسيرية لعجز المنظومة التعليمية عن “ترسيخ” معرفة مدنية و”توطين” فكر ديني و”تأصيل “فكر علمي و”تنمية الحس الجمالي”.

أما شكير عكي فانصرف إلى دراسة مقارنة بين تقرير المعرفة العربي لسنة  2011وتقرير البرنامج الوطني لتقويم مكتسبات التعليم (المغرب 2008)  وقد عمد الباحث إلى إبراز السياق المؤطر للتقريرين وأهدافهما والحزمة المفاهيمية والعدة المنهجية التي وظفها كل تقرير، وكذا أسلوب عرض النتائج وتفسيرها وطبيعة الاستنتاجات  والتوصيات المتمخضة عنهما والصعوبات المنهجية التي اعترضتهما، فضلا عن محاولة اقتراح بعض “آفاق التطوير الممكنة”.

ويتناول الملف الثاني أربعة مؤلفات حديثة حول تاريخ المغرب في بداية العصر الحديث. فهذا لطفي بوشنتوف يتقاسم معنا متعة قراءته لكتاب  برنار روزنبرجي، المغرب في القرن السادس عشر : على عتبة الحداثة. يرصد بوشنتوف الفرضيات التي ينهض عليها الكتاب وبواعث تأليفه، ويبسط الرؤية البديلة التي يدافع عنها روزنبرجي، وهي رؤية تعاند الفروض المتداولة في بعض الكتابات التاريخية و المؤسسة على فكرة عزلة المغرب  وانغلاقه خلال القرن السادس عشر. كما يرصد المؤشرات التي يحشدها برنار لتعضيد تلك الرؤية والعوامل الظرفية والبنيوية المفسرة لمحدودية نجاح تجربة الدولة السعدية في تخطي عتبة الحداثة. وفي إطار تفاعله مع الكتاب يلفت بوشنتوف الانتباه إلى أن الكتاب، بإحيائه لسؤال تعثر مسعى أو مسيرة التحديث أو الحداثة في المغرب، يسهم في  إنضاج جهد التراكم وينسج تقاطعات مع رؤى وقراءات أخرى. ورغم ذام ضعف الإسناد، يشدد بوشنتوف على أن إحدى مواطن قوة الكتاب تتمثل في المسارات التي يعبدها والأسئلة التي يستثيرها ونزعة رفض الركون إلى المسلمات التي تسكنه.

وأوضح محمد حبيدة من خلال قراءته لكتاب مرسديس غارسيا أرينال، أحمد المنصور: بدايات المغرب الحديث، كيف استطاعت هذه الباحثة أن تستثمر المصادر التاريخية والأنثروبولوجية وفق جهد تركيبي لدحض فكرة برنار لويس حول الضعف المزمن للمغرب وطابعه المنغلق، لتنافح عن أطروحة قدرة أحمد المنصور على تعبيد مسارات التحديث. و تستعرض بعض المؤشرات  لتدعيم تلك الفرضية. لكنها  تشير إلى أن قوة المغرب زمن المنصور ترتبط بشخص هذا السلطان.

وخص محمد جادور بالقراءة مؤلف نبيل محمد مُلين الخلافة التخيلية لأحمد المنصور، نظام الحكم والدبلوماسية بمغرب القرن السادس عشر. وقد استعرض جادور في مستوى أول، المفاصل المختلفة لكتاب  مُلين وهو يتعقب قسمات شخصية أحمد المنصور ويرصد الاكتنافات التي عاش في خضمها و الموارد التي يمتح منها لتسويغ مشروعية حكمه ونزوعات السلطان إلى المأسسة والمنطق الملهم لسياساته. كما تناول في مستوى ثان بعض ملاحظاته بشأن بعض القضايا الواردة في الكتاب من قبيل بعض المزالق التي تورط فيها مولين بفعل توسله بمقاربة أنثروبولوجية ووجود مؤشرات تدحض الطابع الغائي لتشييد خلافة بالغرب الإسلامي، وصعوبة الحديث عن إيديولوجية الخلافة وارتباط كل القضاة بالطريقة الزروقية، واعتماد السلطان على بنية فوق قبلية، وضعف فرضية اغتيال أحمد المنصور، وضعف القدرة التفسيرية لبعض الظواهر المرتبطة بالاحتفال بعيد الأضحى، وتغييب الإشارة للمراجع التاريخية باللغة العربية  رغم حضورها الطافح وغير المعلن في الكتاب.

 وقدم عبد الحي الخيلي قراءة تعريفية لكتاب محمد جادور مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب،وهي دراسة تعنى بالمخزن المغربي خلال العصر الحديث من خلال تجربة السلطانين أحمد المنصور والمولى إسماعيل. واستعرض الخيلي في هذه القراءة لمظاهر تميز الكتاب. وتنصرف تلك المظاهر إلى طبيعة موضوع الدراسة والإشكالية البحثية ومنهج المطارحة وثراء المصادر والنتائج المتوصل إليها. وبعد تسليط الضوء على معمارية الدراسة ومفاصلها الأساسية، ذيل قراءته بجملة من الملاحظات حول العنوان والمنهج وبعض القضايا الواردة في الدراسة.

ووفاء للتقليد الذي نسعى لترسيخه، يقترح عليكم هذا العدد حواراً مع الباحث  أحمد بوحسن، من إنجاز حورية الخمليشي وعز الدين الشنتوف. لامس الحوار عدة قضايا من ضمنها واقع الدراسات الثقافية في العالم العربي المعاصر على ضوء تحولات الثقافة العربية، ونصيب المساهمة المغربية في تلك الدراسات، وأدوار الجامعة في بعث الروح في النقد الثقافي وتطوير مستواه. كما انصب على تجربة الأستاذ أحمد بوحسن في المجال من خلال بحثه في “كتاب الأغاني”، والفرص التي يقدمها النقد الثقافي لقراءة النصوص، والتحديات التي تواجه الدراسات الثقافية وسبل تطويرها، ودور الترجمة في توطين وتجريب فتوحات الغرب في مجال النظريات الأدبية.

ويزدان هذا العدد الجديد بنصوص قراءات تزاوج بين مقومات التنوع والثراء والجودة. وقد صوب الباحثون مهماز القراءة أكثر على نصوص إبداعية تنتظم في حقل الدراسات الأدبية والتاريخية.

نأمل أن نسهم من خلال محتويات هذا العدد في تحقيق  بعض ما نصبو إليه من بث أنساغ المتعة الفكرية. ونغتنم الفرصة لتجديد دعواتنا إلى عموم الباحثين وخصوصا فئة الشباب للمساهمة في استرسال نجاح هذا المشروع النبيل وتوسيع آفاق البحث  لاقتحام مدارات  وتخصصات جديدة بما يشبع نهم عموم القراء.  

 

اترك رد