مكي المغربي *
لم يكن شيئًا جديدًا بالنسبة لي أن أقرأ عن “سياسة فخ الديون” التي تشكل إستراتيجية الصين تجاه إفريقيا، لكن الجديد تمامًا بالنسبة لي في كتاب “تحديات طموحات الصين العالمية” كان هو الصورة الكاملة لهذه الطموحات، والتي بموجبها تتم ممارسة خطة إغراق الدول بالديون ضمن حزمة من السياسات المعقدة والمفصلة في جميع أنحاء العالم، وليس في إفريقيا وحدها.
الكتاب من إعداد ناريندرا كومار وقد جمع فيه ثلاثين مقالاً كتبها الكاتب المتميز ديبانجان روي تشودري، محرر الشئون الدولية والدبلوماسية في الصحافة الهندية.
من خلال هذا الكتاب، من الممكن رؤية السيناريو الكامل الذي يؤكد أن الطموحات الصينية تستدرج أي دولة تثق بشكل أعمى في التعاون الكامل معها ولا تفحص الإتفاقيات المبرمة معها ولا تمررها على إرادة شعبية منتخبة لتجيزها. في هذا الصدد، هنالك نماذج أثبتت هذه الحقيقة المرة، وهنالك نماذج لدول نجحت في الإفلات من الفخ الصيني.
يبدأ الكتاب بمقالات عن العالم الغربي قبل إفريقيا. على وجه التحديد، هناك مقال مهم للغاية حول كيفية تعامل الصين مع الاقتصاديات الأوروبية الأضعف، وتحديداً في وسط وشرق أوروبا.
إن طموحات الصين لا حدود لها ومخطيء من يظن أنها تتوقف عند موارد إفريقيا جنوب الصحراء، إنها تتضاعف كل يوم ويتمدد التنين الإقتصادي ليقضم العالم قطعة بعد قطعة، وهنالك دول مثل سريلانكا ويوغندا أجبرت على تقديم الميناء والمطار مقابل الديون. يقول المؤلف عن أوربا: “تواصل بكين زيادة نفوذها على الدول الأضعف في الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تآكل مؤسسات الدولة من خلال القوة السياسية والإقتصادية والناعمة. لذلك، تركز الصين على دول شرق ووسط أوروبا كنقطة دخول إلى الاتحاد الأوروبي لدفع مبادرة الحزام والطريق.”
قدم الكتاب والمقالات التي يحتويها أمثلة على ما يحدث على واقع الأرض وكيف استولت الصين على المطارات والموانئ أو في بعض الأحيان فشلت في ذلك.
صحيح أنني دائمًا أشجع أصدقائي الكتاب الأفارقة على عدم الاكتفاء بالرسالة الغربية لأفريقيا التي تحذر من مخاطر التعامل مع الصين لأننا لا يجب أن نهاجم دولة إنطلاقا من أجندة دولة أخرى، بل يجب أن نبقى فقط على أجندتنا الأفريقية ولا نخدم غيرها. ومع ذلك، لقد أصبحت قضية استراتيجية الديون مصدراً حقيقيا ً للقلق العالمي وليس مجرد دعاية غربية ضد الصين. ولذلك يجب أن ننتقد استراتيجية الصين لكن يجب أيضا أن نشكك في استراتيجيات الآخرين ونستمر في مطالبتهم ببدائل أفضل يقدمونها لأفريقيا غير التحريض على الصين. وقريبا من كلامي نشرت فورين بوليسي مقالاً بعنوان “واشنطن تحتاج إلى رسالة أفضل في إفريقيا من عبارة (لا تثقوا بالصين)”، كتبه هينري تجوندات وكاميسا كمارا.
لقد حان الوقت للأفارقة لدراسة الإستراتيجية الصينية قبل أن يتم استعمار القارة وبيعها للصين بموافقة الحكومات الأفريقية قصيرة النظر عديمة الشعبية، دون أي سلاح أو مقاومة.
هذا من أسوأ أنواع الاستعمار لأنه يبدأ بتعطيل القطاع الخاص الإفريقي ويفرض اتفاقيات سرية بين الصين والحكومات وبالتالي يقضي على أي أمل في الديمقراطية والشفافية والاقتصاد الحر وقدرة الشركات والمؤسسات المملوكة للأفارقة. النتيجة معروفة، ستشدد الحكومة قبضتها وستصادق على المزيد من اتفاقيات الديون.
لماذا لا نفكر في إتجاهات أخرى؟ لدينا العديد من الخيارات، لماذا لا نناقش شراكة إستراتيجية مع الهند واليابان؟
الهند بالنسبة لنا كأفارقة هي أفضل مثال لبلد قائم على الديمقراطية والاقتصاد الحر والقطاع الخاص، بلد لا يزال يواجه مشكلات مماثلة لما عندنا في أفريقيا ولكنه وجد طريقه لحلها فتحول إلى قوة صناعية ضخمة ذات إقتصاد متنوع. لا توجد علاقات غامضة أو أمور مخفية بين الحكومات الأفريقية والهند ولا يشبه التفاوض مع الشركات الهندية على الإطلاق التفاوض مع الحكومة الصينية والشركات الصينية لأن الصينيين قادرين دائمًا على إيجاد طريق مختصر من خلال احتواء السياسيين المؤثرين ثم يأخذوا عبرهم ما يريدون. الأفارقة غائبون أو بالأحرى مغيبون في بلدانهم عن الصفقات والقطاع الخاص الأفريقي خارج اللعبة. وجاءت النتيجة في مقال تشودري “الديون المتزايدة لأفريقيا والقروض الصينية للقارة تتجاوز 140 مليار دولار”.
وفيما يلي موضوع الاتفاقيات والصفقات التي تم إجراؤها والشعوب الأفريقية لا تعرف أي جزء من أرضها معرض لخطر بيعه للصين هو مقال “استراتيجية الصين المدروسة جيدًا، فخ الديون مع البنود السرية”
شكرًا، ناريندرا على تحرير هذا الكتاب الرائع، شكرًا لشودري على كتاباتك المتخصصة في هذا المجال.
***
* كاتب صحفي سوداني متخصص في الشئون الأفريقية، ودبلوماسي سابق في واشنطون، يمكن التواصل معه عبر البريد elmograbi@gmail.com