عمم إتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، ضمن النشرة النسوية، تقريرا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن حضور المرأة وتعزيز دورها السياسي، جاء فيه:
حققت المرأة الأردنية حضورا لافتا على صعيد تمكينها سياسيا واقتصاديا، في إطار مشروع حداثي يؤسس لمرحلة جديدة من البناء خلال المئوية الثانية من عمر الدولة يكون عنوانها الأبرز نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية عبر بوابة التشريعات والقوانين والسياسات الضامنة لحياة حزبية فاعلة.
ففي إطار النهج الذي خطته القيادة الهاشمية منذ تأسيس الدولة عام 1921 حتى اليوم، وجه جلالة الملك عبدالله الثاني، في العاشر من شهر حزيران عام 2021، وبالتزامن مع احتفالات المملكة بالمئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية، بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من 92 عضوا يمثلون مختلف الأطياف السياسية والفكرية ومختلف القطاعات، ومن بينهم 18 امرأة وبنسبة تمثيل تقارب 20 بالمئة.
وحدد جلالته في الرسالة الملكية إلى رئيس الوزراء الأسبق والنائب الأول لرئيس مجلس الأعيان العين سمير الرفاعي، عهد إليه فيها برئاسة اللجنة، ما هو المطلوب منها، “اليوم ونحن على أبواب مرحلة جديدة من مراحل البناء والتحديث، فإنني أعهد إليك برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تكون مهمتها وضع مشروع قانون جديد للانتخاب ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة”.
وعملت اللجنة التي توزع أعضاؤها على 6 لجان فرعية، وهي لجنة الانتخاب، لجنة الأحزاب السياسية، لجنة تمكين الشباب، لجنة تمكين المرأة، لجنة الإدارة المحلية، لجنة التعديلات الدستورية المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي، خلال 3 أشهر ونيف على عقد جلسات واجتماعات مع مختلف أطياف المجتمع الأردني.
ووصف رئيس اللجنة الرفاعي الاجتماعات والنقاشات بأنها “حالة الاشتباك الإيجابي مع المجتمع والإعلام والفاعليات السياسية والشعبية، والتي تعاملت مع اللجنة بروح التعاون والشراكة، وقدمت طروحات ناضجة، وأفكارا في غاية الأهمية، تعكس نضج الأردنيين والأردنيات، وشغفهم بالوصول بوطنهم إلى الأفضل، وشكلت أفكارهم وطروحاتهم ركنا أساسيا للتوصيات التي قدمتها اللجان الفرعية”.
وتمخض عن عمل اللجنة التي رفعت توصياتها لجلالة الملك، الضامن لتوصياتها، مقترحا لقانون الانتخاب، وآخر لقانون الأحزاب، ومقترحا للتعديلات الدستورية المقترحة المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي، وتوصيات مقترحة للتشريعات المرتبطة بتطوير الإدارة المحلية، وتوصيات مقترحة لتمكين الشباب وتوصيات مقترحة لتمكين المرأة.
وأحالت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، مخرجات اللجنة إلى مجلس الأمة للسير في إجراءات ومراحل إقرارها، وكان إقرار مجلس الأمة للتعديلات الدستورية، بانتظار انتهاء المجلس من إقرار مشروع الأحزاب، ثم مناقشته.
ولعل أبرز مخرجات اللجنة الملكية التي جاءت في التعديلات الدستورية لتمكين المرأة والشباب، وتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة، تبلورت في إجراء تعديل جوهري على المادة (6) من الدستور التي تكرس مبدأ المساواة قاعدة أساسية من أجل ممارسة الحقوق والحريات الدستورية، فأضافت فقرتين جديدتين إلى هذه المادة تخاطبان الشباب والمرأة، هما: الفقرة (6) التي تنص على أن: (تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز).
والفقرة (7) التي تنص على أن: (تكفل الدولة ضمن حدود إمكانياتها تمكين الشباب في المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتنمية قدراتهم ودعم إبداعاتهم وابتكاراتهم وتعزيز قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون).
وضمن توجهات اللجنة لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، جرى تعديل المادة (70) من الدستور لتخفيض سن الترشح لمجلس النواب ليصبح (25) سنة شمسية. كما جرى تعديل عنوان الفصل الثاني من الدستور بإضافة كلمة الأردنيات، ليصبح: (حقوق الأردنيين والأردنيات وواجباتهم).
كما شملت اللجنة في تعديلاتها الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ أعادت صياغة الفقرة (5) من المادة (6) من الدستور لتأكيد ضمان الدولة لحقوقهم الأساسية، وعلى النحو التالي: (يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، كما يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء ويمنع الإساءة والاستغلال).
كما أوصت اللجنة الملكية بتعديل المادة (2/67) من الدستور المتعلقة بإنشاء هيئة مستقلة تدير الانتخابات النيابية والبلدية وأي انتخابات عامة وفقا لأحكام القانون، وذلك بإضافة اختصاص جديد لها يتعلق بالنظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها وفقا لأحكام القانون. وتمثل الهدف من هذا التعديل بإناطة صلاحية الإشراف على تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها بجهة محايدة ومستقلة عن الحكومة، بما يعزز مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والنأي عن أي تأثيرات حكومية.
ومن أبرز المحاور التي شملتها التعديلات والإضافات على قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب هي تمكين المرأة والشباب، حيث أشار مقترح قانون الأحزاب إلى أن لا تقل نسبة المرأة عن 20 بالمئة من عدد المؤسسين، وأن لا تقل نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (18) و(35) سنة عن 20 بالمئة من عدد المؤسسين، كما تم ضمان المساواة في الوصول إلى الموارد والمناصب العليا داخل الأحزاب للنساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة من خلال مشروع قانون الأحزاب، وأن يكون من بين المؤسسين واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة.
كما تمت زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء (الكوتا) في القوائم المحلية إلى 18 مقعدا، بعد أن كان عددها 15، وتم إنشاء دائرة وطنية تتكون من 41 مقعدا مخصصة للأحزاب من أصل 138 (عدد مقاعد مجلس النواب الكلي) وبنسبة تصل إلى 30 بالمئة في مجلس النواب القادم (العشرين)، على أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 50 بالمئة في مجلس النواب الواحد والعشرين، ثم تستقر على 65 بالمئة في مجلس النواب الثاني والعشرين.
واللافت في مقترح القانون أنه نص على وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل في القوائم الحزبية للانتخابات البرلمانية، وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التالين، فضلا عن وجود شاب أو شابة بعمر أقل من (35) سنة ضمن المترشحين الخمسة الأوائل؛ ما اعتبره مراقبون تمكينا للنساء والشباب لخوض التجربة الحزبية والبرلمانية من بوابة التنافس وليس الكوتا فقط؛ فالقانون سيمكن النساء من الفوز بالتنافس وبنسبة وازنة خاصة مع ارتفاع نسبة تمثيل الدائرة الوطنية على مدار أل 10 سنوات المقبلة لتستقر على نسبة 65 من مجموع أعضاء مجلس النواب الكلي.
وبعد هذه التعديلات الجوهرية على التشريعات ذات العلاقة بالمنظومة السياسية، فإن الأردن خلال السنوات المقبلة على موعد مع تغييرات مهمة في المشهد الحزبي والبرلماني الأردني، وعلى النساء والشباب اقتناص هذه الفرصة السانحة من أجل تمثيل سياسي عادل لهم، فصناعة القرار لا تكتمل إلا بوجود وإشراك الجميع.