د أسامة محمد البحيري
(مصر)
من مقدمة كتاب ” تداولية الشعر والنثر في التراث العربي ”
صحب تحول العرب من البداوة إلى الحضارة، ومن القبيلة إلى الدولة، تحولات عميقة في مواقع الأجناس الأدبية في الخارطة الإبداعية العربية . فبعد هيمنة الشعر على المشهد الإبداعي منذ بواكير الأدب العربي في العصر الجاهلي حتى بداية العصر العباسي الثاني، زاحم النثر الفني الشعر في الواجهة الإبداعية العربية ، بفعل تغير الوظائف التداولية ، والإعلامية ، والسياسية، والاجتماعية للجنس الأدبي في الواقع العربي والإسلامي والدولي .
وصار مبدعو النثر الفني والوظيفي في قمة المشهد الثقافي قربا من الحكام، واشتغالا بالوظائف العليا، وإحاطة بالمستجدات السياسية والإدارية المحلية والدولية، وإسهاما في تدبير شؤون الدولة على مختلف الأصعدة، واكتفى الشعراء بالوظيفة الإبداعية الذاتية، والمشاركة في المناسبات المختلفة من موقع المتفرج – في أغلب الأحيان – لا من موقع صانع الحدث أو المؤثر فيه.
ونشأت في المدونة التراثية العربية الأدبية والنقدية ثنائية عريقة في الحديث عن الشعر والنثر، وخصائص كل منهما، والمفاضلة بينهما من الجوانب التشكيلية، والموسيقية، والتخييلية، والتداولية، والوظيفية، والفلسفية، والأخلاقية.
وظهرت محاولات التقريب الإبداعي والتأليفي بين الشعر والنثر في التراث العربي ، ومن أبرزها كتاب ” سجع المنثور ” لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري ( ٣٥٠- ٤٢٩ هجرية )، الذي يجمع فيه بين الوظيفة الإبداعية والوظيفة التعليمية، ويمزج فيه بين الإبداع النثري السجعي ، وبين الفاعلية التأثيرية للشعر في الذهنية العربية ، ويقدم كتابه الفريد ( سجع المنثور ) مادة إبداعية وتأليفية جاهزة للكتاب الناشئين ، مشاركا بقوة في الاتجاه التأليفي والإبداعي الذي يمزج بين النثر والشعر، ويفيد من عناصر الإبداع في كل منهما، بما يفيد التجربة الإبداعية نفسها، دون تورط في المفاضلة الأجناسية، أو التراتبية التقييمية .