“القاتلون بالسيف” لجميل الدويهي

 

ستشاهدون وأنتم في طريقكم حاملين للسيوف، يرفعونها في وجه الشمس. يرتدون الحماقة ثياباً، ويحملون الجهل زاداً وعتاداً.

هؤلاء هم أعداء البشرية، وأعداء الفكر والتقدم. سيعترضونكم في الدروب الوعرة ويسألونكم عن أسمائكم ومدنكم وزوجاتكم، فقولوا لهم إنّكم أبناء الله، وليست لكم أسماء كما المجرّات البعيدة لا أسماء لها. وإذا قالوا لكم: بمَ تؤمنون؟ فقولوا لهم: نؤمن بكلّ شيء. نؤمن بحبّة التراب والجذور والسماء والشجر العاري لأنّها كلّها من عمل واحد، ونعتنق الفكر لأنّه فكر المبدع،  ونقدّس الرياح التي تقتحم الغابات فتغيِّرها وتلبسها العراء لكي تعود من عرائها خلقاً آخر.

نعم يا أبنائي، سيحلُّ الظلام على الأرض، وتتهدّد الحضارة، ستنطفئ الأنوار في حفلات الرقص والطرب، وستُلعن الموسيقى، ويدوس الحاقدون على الأدب والفلسفة والعِلم. لكنّها فترة قصيرة لن تلبث أن تنتهي، لأنّ الله وضع فيكم شعلة الحياة، والحياة لا تدوس عليها جحافل الموت، إلاّ لتزيدها حياة وأملاً. أنظروا إلى أشواك الحقول، فإنّها على قساوتها تزهر، وانظروا إلى الغيوم،  فإنّها على سوادها تغدق لكم وتجعل كرومكم طافحة بالعناقيد، وتملأ ينابيعكم وأنهاركم وبحاركم ماء لتشربوا وتسقوا العطاش. إنّ الأرض تدور إلى الأمام، ومثلها أرواحكم، ولا يعود إلى الوراء إلاّ مَن حلّت في قلبه العتمة،فحجبت عنه كلّ شيء جميل.

والأزمنة يا إخوتي وأحبّائي تسير كما شاء الله لها أن تسير، فمَن يمنع كلمة الله من أن تكون الأصل والحقيقة؟ ومن يجرؤ على محاربة النور وهـو بعيد ولا يُطال؟ مَن سيمنعكم من أن تطأ أقدامكم على الكواكب، لتجدوا فيها من يحدّثكم ويستمع إليكم؟

سترون المدن مهدّمة، والمعابد مخلّعة الأبواب ينعق البوم على شبابيكها، وتسكنها الضباع، ستشاهدون آلافاً من الناس يلتحفون العراء، ويتشرّدون في المغاور والكهوف والصحاري، فلا تبكوا عليهم، بل اعطوهم القوَّة لكي يثبتوا في إيمانهم. وقولوا لهم إنّ البكاء على الماضي جهل، والنحيب لا يصنع الأمجاد. وقد يعذّبونكم ويقتلونكم ويعلّقون أجسادكم على أعواد المشانق، فابتسموا وأنتم تفارقون الحياة، لأنّكم بموتكم خلعتم أبواب العبوديّة وكسرتم شوكة الطغيان. إنّ موتكم كموت الزهرة، وانكسار الموج على شاطئ البحر.

أمّا مصير أولئك الذين طفحت أكوابهم بالحقد، فالبكاء والظلمة… فحياتهم مملوءة بالبؤس وموتُهم هزيمة، ومقرُّهم حفرة أبديّة ليس فيها إلاّ الصمت والوحدة.

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي ” أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع

اترك رد