تحقيق عادل حاموش
يئن المواطن اللبناني تحت وطأة الفاتورة الاستشفائية الباهظة، فالمضمون صحيا واجتماعيا حاله في هذه الايام حال المريض اللامضمون، والظروف العصيبة التي تعصف باللبنانيين على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية تؤثر على حالهم الصحية ولا سيما اذا اضطروا الى دخول المستشفى إذ يجبرون على بيع الغالي والنفيس لتسديد فاتورتهم، وبخاصة انه يتوجب عليهم دفع ما يقارب الـ 90 في المئة ويسدد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الـ 10 في المئة، كونه ما زال يعتمد الـ 1500 ليرة كسعر لصرف الدولار، في حين ان المستشفيات تتقاضى فاتورتها على سعر الصرف المتداول في السوق الموازية.
ووسط هذه الحال المأسوية، ومع ارتفاع أكلاف العلاج وسعر الادوية المفقودة بمعظمها، واذا ما وجدت فبأسعار لا قدرة لكثر على الحصول عليها، يصح القول والتساؤل هنا: هل اصبح العلاج الصحي والتعافي من أمراض نخرت الاجساد مزمنة ومستعصية، لمن استطاع اليه سبيلا؟.
“الوكالة الوطنية للاعلام”، حملت هذه الهواجس الى المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي، مستهلة بطرح سؤال يفرض نفسه: أين المضمونون من الضمان؟ حيث ان المريض المضمون لم يعد قادرا على تسديد قيمة فاتورة الاستشفاء. فأجاب:
“حطت الازمة الاقتصادية والمالية أوزارها على المضمون بشكل مأسوي بالاضافة الى جائحة كورونا. فهو يعاني اليوم من تسديد فروقات الفاتورة الاستشفائية التي ارتفعت مع ارتفاع سعر الدولار من دون ارتفاع تغطية الضمان لها بالتوازي، فتسعيرة الضمان لا تزال على سعر صرف 1500 ل.ل. لانه ليس من الممكن زيادة الانفاق دون زيادة الايرادات وتأمين التمويل اللازم لها، وهي أيضا حال الادوية التي تم رفع الدعم عن عدد كبير منها. ونحن نعمل حاليا على ايجاد الايرادات المالية اللازمة لزيادة تعرفات المستشفيات 3 أضعاف على الاقل.
نسعى لرفد الصندوق بالموارد
قيل له: صحيح انكم تتابعون وتجتمعون مع المعنيين وتصدرون البيانات، الا ان الناس تريد تحويل الاقوال الى أفعال، ولمن تحملون المسؤولية؟ فأجاب:
“بالطبع، نحن نجتمع ونتابع هذا الموضوع مع كل الجهات المعنية من وزارة العمل ولجنة مؤشر، ووزارة المالية والاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية ريثما نتوصل الى تدابير من شأنها ان ترفد الصندوق بالموارد المالية اللازمة التي تمكنه من رفع تسعيرته الاستشفائية والدوائية والطبية.
وقد نجحنا لغاية اليوم، وبجهود وتفهم الجميع من معالي وزير العمل ورئيس الهيئات الاقتصادية ورئيس الاتحاد العمالي العام لزيادة مقطوعة على الرواتب بقيمة 1.325.000 ل.ل.، بحيث لن يصرح للضمان براتب اقل من 2.000.000 ل.ل. بدلا من 675.000 ل.ل.، ونحن حاليا في انتظار صدور المرسوم الخاص بذلك”.
وتابع كركي : كذلك تمت الموافقة على زيادة السقف الخاضع للحسومات في فرع ضمان المرض والامومة من 2.500.000 ل.ل. الى 5.000.000 ل.ل.
هذه التدابير من شأنها زيادة ايرادات الضمان حوالي 1.100 مليار ل.ل. سنويا، وسوف تساعد على زيادة التعرفات، كما طالبنا لجنة المال والموازنة بزيادة مساهمة الدولة في فرع ضمان المرض والامومة الى 5 أضعاف بدلا من ضعفين أسوة بباقي المؤسسات الحكومية الضامنة (وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة. نحن لا نحمل المسؤولية لجهة محددة ، فهناك عدة جهات معنية بهذا الموضوع كما سبق وذكرنا، فالازمة الاقتصادية وقعت على الجميع ونحن نحاول تخفيف آثارها عن المضمون وتغطيته الصحية التي تعتبر من أولوياتنا. ولا يمكن الخروج من الازمة الا بتعاون الجميع، لا سيما الدولة وأصحاب العمل والعمال وبمساعدات أو هبات خارجية، إذا أمكن، لدعم القطاع الصحي”.
وعما تردد ان المستشفيات بصدد عدم استقبال مرضى الضمان، وما هي اجراءاتكم لتفادي حصول ذلك، مع العلم ان المريض يدفع الآن 90 في المئة من الفاتورة الاستشفائية والضمان 10 في المئة؟، أجاب كركي: “صحيح ان المريض المضمون يتحمل حاليا 90 في المائة من الفاتورة الاستشفائية في حين يغطي الضمان 10 في المائة منها، الا ان المصابين بامراض مستعصية وغسل الكلى ما زالوا يستفيدون من تغطية الضمان كالسابق .
أما في موضوع المستشفيات فأظن ان الضمان لطالما كان الداعم الاول لاستمرارها ولا اعتقد انه من المقبول التخلي عن الضمان والمرضى المضمونين، هكذا عند اول مطب. ونحن نتفهم موقفها كونها تعودت، منذ العام 2011، على نظام السلفات لتأمين مداخيل شهرية ثابتة لتأمين رواتب مستخدميها وتمويل بعض النفقات الاخرى، وقد حصل بعض التأخير في إقرار السلفات من قبل مجلس إدارة الصندوق ولكن تم معالجة الموضوع نهاية الاسبوع الماضي، حيث وافق مجلس الادارة على تجديد العمل بنظام السلفات للعام 2022، وهذا الموضوع أصبح وراءنا اليوم”.
نشعر بوجع المضمون وننسق مع وزير المال
وسئل كركي : بعض المرضى يفضلون البقاء في المنزل ويداوون أنفسهم ب”التي هي أحسن” لان لا قدرة له على دفع الفاتورة الباهظة وهذا يؤثر على حياته، لكن يبدو ان لا حياة لمن تنادي؟
أجاب : نحن نشعر بوجع المضمون ولذلك لم نتوقف ولن نتوقف عن بذل الجهود وطرح الحلول الممكنة والتي تمكن الضمان من اعادة الامن والامان للمضمونين . ونحن في انتظار صدور مرسوم زيادة رواتب القطاع الخاص بقيمة 1,325,000 ل.ل. ل الذي من شأنه ان يعود بمردود مالي على الضمان من خلال الاشتراكات، كما نأمل صدور مرسوم برفع الحد الاقصى للكسب الخاضع للحسومات في فرع ضمان المرض والامومة من 2,500,000 ل.ل. الى 5,000,000 ل.ل. بعد أن انهى به مجلس ادارة الصندوق الاسبوع الماضي. وكذلك نحن على تنسيق مستمر مع وزير المالية لحل مشكلة ديون الضمان على الدولة وكل هذه الامور مجتمعة من شأنها ان تمكننا من رفع التسعيرة الاستشفائية والدوائية بنسبة معينة.
وفي هذا الاطار، فقد أكدنا في لجنة المال والموازنة، التي ناقشت نهار الثلاثاء الماضي موازنة الضمان الاجتماعي، على ضرورة زيادة الاعتمادات المرصودة للضمان في موازنة العام 2022 حوالي 1.300 مليار ل.ل. ليصبح إجمالي الاعتمادات حوالي 2.500 مليار ل.ل. بدلا من 1.200 مليار ل.ل.
وعلى ضوء كل ما ذكرنا أعلاه، وفي حال تم ترجمته الى واقع، فإن الصندوق سيتمكن بالتأكيد من رفع تعرفاته الطبية والاستشفائية”.
سئل: ماذا عن الامراض المزمنة، كيف لمواطن يعاني منها ان يعالج في ظل هذه الازمة”.
أجاب : “بالنسبة للامراض السرطانية والمستعصية وغسيل الكلى، لا يزال المرضى يتلقون علاجهم في المستشفيات كالسابق علما ان عددا من ادوية الامراض المستعصية مفقود لكن هذا الامر في عهدة وزارة الصحة، وهنا اود ان اشير الى ان التعرفة الوحيدة التي قام الضمان برفعها هي تعرفة جلسة غسل الكلى فتم تعديلها اول مرة في 12 نيسان 2021 من 145000 الى 250000 ل.ل. ومن ثم تم رفعها في 22 كانون الاول 2021 من 250000 ل.ل. الى 500000 ل.ل. ورفع بدل اتعاب الطبيب المعالج من 37500 ل.ل. الى 75000 ل.ل.
اما في ما يتعلق بادوية الامراض المزمنة فلم يرفع الدعم عنها كليا كغيرها من الادوية، وبالتأكيد فإن المضمونين يشعرون بزيادة أكلافها، ونحن ندرس الخيارات الممكنة لمعالجة هذا الموضوع وكله مرتبط بتأمين الاموال اللازمة لزيادة مساهمة الضمان في هذه الادوية”.
نرفض العمل تحت الضغط والتهديد
وعما كان أعلنه نقيب أصحاب المستشفيات “ان المستشفيات بصدد معالجة مرضى غسل الكلى على نفقتهم”، وما هي التدابير التي يتخذها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، قال الدكتور كركي:” كما سبق وأشرنا، إن نقابة المستشفيات تراجعت عن كل مواقفها بهذا الخصوص قبل إقرار مجلس إدارة الصندوق، نهار الجمعة الماضي، إعادة العمل بنظام السلفات الشهرية للمستشفيات للعام 2022، لأن ادارة الصندوق ترفض العمل تحت الضغط والتهديد”.
ليرفع المضمونون الصوت
وعن رسالته للمضمونين الذين “ليس باستطاعتهم دفع الفاتورة الاستشفائية، خصوصا انه يصح القول هنا ان الاستشفاء لم يعد ممكنا الا لمن استطاع اليه سبيلا”، قال كركي:
“نشد على ايدي المضمونين ونؤكد لهم ان قضيتهم هي شغلنا الشاغل منذ بدء الازمة ، ونحن نحاول شتى السبل التي من شأنها ان تساعدنا على اعادة وضع المضمونين الى ما كان عليه في السابق. فكل الاجتماعات والمفاوضات التي نقوم بها لتعزيز الصندوق ماليا تصب في هدف واحد هو تمكين الضمان من رفع تسعيرته الاستشفائية ولو ضعفين أو ثلاثة أضعاف على الاقل، اسوة بما قامت به وزارة الصحة العامة وصندوق الطبابة العسكرية في الجيش اللبناني بالاضافة الى رفع التسعيرة الدوائية والطبية.
وفي الختام، يجب على المضمونين أن يعوا حقيقة الامور بأن الدولة أصبحت شبه مفلسة وعليهم أن يتدبروا أمورهم لانه وعلى الرغم من ان المسؤولية الاساس تقع على الدولة والسياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتبعة منذ عقود، الا اننا ولغاية اليوم نتفاجأ بردود الفعل الخجولة من قبلهم ومن قبل ممثليهم في الاتحادات النقابية والعمالية.
ولاننا تعودنا في هذا البلد بأن المطالب لا تتحقق الا تحت الضغط، لذلك فعلى المضمونين أن يرفعوا الصوت عاليا لالزام المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم والاخذ بالخيارات والحلول الممكنة التي تعرضها عليهم إدارة الصندوق”.
***
* الوكالة الوطنية للاعلام