دخلتُ إلى المعبد، وكان الكاهن قد بدأ للتوّ عظته، وسمعته يقول إنّ باراباس جاء لإتمام رسالة، وليس له يد في إطلاق سراحه… من أجل محاكمة المصلوب.
غضبتُ من حديث الكاهن، ووقفت معترضاً، وقلت: أنت مخطئ في ما تزعمه، فقد مضى على إطلاق باراباس أكثر من ألفي سنة، لكنّ ذلك لا يعني أنّه بريء، بل تجدُر محاكمته، أم لعلّك من الذين يبرّرون للخطأة فعلتهم، ويسامحون ولو لم تتحقّق العدالة!
تعجّب الكاهن من تطفّلي، ودُهش المؤمنون أيضاً، وحدثت جلبة في المعبد… فلم يسبق أن اعترض أحد من قبل على ما يقوله الكاهن، وهو الذي قرأ الكتب وفهم أصول الديانة. خاطبني الكاهن بنبرة عصبيّة: أنت رجل غريب، ولست من هذه الديار، فنحن لم نرَ لك وجهاً من قبل.
هززتُ برأسي موافقاً، وأجبته: نعم أنا غريب، وكنت بالأمس قاضياً في محكمة، وقد تقاعدتُ من عملي… ولست أشعر بالندم على الأحكام التي لفظتُ بها وأدّت بكثيرين إلى السجن، بيْد أنّ هناك شيئاً واحداً ما زال يؤرّقني، وهو كيف أنّ باراباس نجا من العقاب في ذلك اليوم الأسود من تاريخ البشريّة. وقد جئت أبحث عنه لكي أحاكمه، وقيل لي إنّه موجود عندكم.
التفتَ الناس بعضهم إلى بعض، وثرثروا بأصوات خفيضة. وعند ذلك رفع الكاهن صوته وقال: نعم إنّه موجود هنا، فاسأل هؤلاء المصلّين عنه.
سألت الرجل الأوّل الذي يجلس بجانبي، فقال لي إنّ اسمه باراباس، واقترب من أذني ليقول إنّ جميع الحاضرين هنا يحملون الاسم نفسه.
تغيّر لون وجهي، وانقبضت أساريري، والتفتّ إلى الكاهن الذي كان يبتسم ابتسامة صفراء، ويقول: هل رأيت؟… كلّ الرجال هنا يحملون اسم باراباس.
صرخت: لا يمكن… لا يمكن… ففي كلّ المدن التي مررت بها، يحمل الناس أسماء مختلفة، لكي يتميّزوا بها، فكيف حدث أنّ جميع الآباء والأمّهات في هذه الناحية قد اختاروا اسماً واحداً لجميع أبنائهم؟
فهمت عندئذ أنّ هناك مؤامرة لإخفاء باراباس عن مواجهة الحكم العادل… وأنّ محاكمة المجرم ستؤدّي حتماً إلى تبرئة مَن هو بريء… وهذا ما لا يريده الناس… فشققت ثيابي، وخرجت بخطوات غاضبة من المعبد، والمؤمنون من حولي يتغامزون ويتضاحكون. وبينما كنت خارجاً من الباب على غير هدى، سمعت الكاهن يضحك عالياً، ويقول: احترس أيّها القاضي، فقد يكون اسمك أنت أيضاً باراباس، ولست تعلم بذلك.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي … النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع – سيدني