كنت على متن عربتي في الصحراء القاحلة، فرأيت ثلاثة رجال وامرأة، قد رُبطوا إلى جذوع النخيل، وتُركوا تحت الشمس الحارقة ليَموتوا من الحرّ والمجاعة.
ترجّلتُ من عربتي، واقتربت من الرجل الأوّل وسألته: ماذا جنيتَ أيّها الآدميّ، لكي يكون هذا عقابك؟
أجابني: كنت أسرق بيوت الأغنياء لأطعم زوجتي وأطفالي الصغار، فقد أمر أحد الوزراء بإقفال تجارتي، ومنعَني من العمل… وحكمَ عليّ القاضي بسوء العاقبة، فأرجوك أن تساعدني لكي لا أموت هنا منبوذاً ومُهاناً.
فككتُ الرجل عن جذع النخلة، وقلت له: طوبى لك، فإنّ الذي عاقبك ليس بأفضل منك… ومن الساعة تكون في مملكتي.
وسألت الرجل الثاني، فقال: كنت أقطع الطرق، فقبضَ الجنود عليّ… وصرت إلى هذه النهاية، ولكنّ ما يغيظني أنّ قاطعي الطرق هم قبائل وأحزاب، يعيثون في الدنيا فساداً ولا يعتقلهم أحد.
أطلقت سراح الرجل، وقلت له: نطقتَ بالصواب، فكم من مجرم طليق، وكم من بريء يعاني في السجن! فادخُل الآن في مملكتي.
وخاطبت الثالث، فقال: أعترف لك يا سيّدي بأنّني كنت خاطئاً، فقد شهدتُ بالزور…
سألته: لماذا خالفتَ الشريعة؟
قال: لكي أنقذ فلاّحاً بريئاً، اتّهمَه الحاكم بجريمة لم يرتكبها.
قلت: في الحقيقة… أنت شهدت بالصدق، ومَن حكموا عليك هم الذين شهدوا بالزور، فتعالَ الآن إلى مملكتي.
وتوجّهت إلى المرأة بالقول: وأنتِ… أيّ مصيبة جاءت بك إلى هنا؟
التفتت إليّ بنظرة قاسية هي أشبه بنظرة اللبوءة، وحرّكت شفتيها اليابستين، لتقول: أحببتُ شابّاً في مقتبل العمر، وزنيت معه.
-وأين هو الشابّ الذي زنيتِ معه؟
-هو حرّ طليق… فقَومي لا يحكمون على الرجل عندما يزني.
قلت لها بغضب: بئس العدالة إذا كانت تنظر بعين واحدة. إنّها الظلامة بعينين اثنتين، فلكِ الحرّيّة يا امرأة، ولتكوني سيّدة في مدينتي.
ومنذ ذلك الحين، يعيش الرجال الثلاثة والمرأة بين قومي، فلا يرتكبون أيّ شرّ، أو يُدانون على أيّ خطيئة.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي ,,, النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع .